الصحوة-أنفال حمد المزيني
بينما يجلس رجل في منتصف العمر على شرفة المنزل مستمتعًا بتقليب وريقات كتابه وعبق الحبر الملطخ بتلك الأوراق، وآخر شابًا في أول العمر داخل مقهى حاملاً بيده جهازه اللوحي ويتصفح جميع الصفحات بلمسة إصبع مستمتعًا بتكبير وتصغير الخطوط والكلمات وفي حين استصعبته بعض الكلمات لا يجلس محتارًا في فهمها ف بضغطة زر يستخدم البحث السريع لفهم المعاني، كلا الرجلين يقرأ؛ إلا أن لكل واحد منهما له طابع خاص في القراءة، فمع التقدم التكنولوجي اختلفت العادات في القراءة وطريقة الحصول على المعرفة، ولكن يبقى السؤال قائما: هل تزال الكتب الورقية تحمل مكانتها الخاصة، أم أن التطور التكنولوجي أبعد عنها تسليط الضوء؟
الكتاب الورقي لا يزال يحمل طابعه السحري الخاص؛ فهو لا يقف عند قراءة صفحاته بل هي تجربة يعيشها القارئ عند قراءة أي كتاب يقلب صفحاته بين أصابعه كأنه يخللها بين زوايا ذاكرة زمن بعيدة، ورائحة الحبر على الورق تأخذنا إلى عوالم مختلفة، كل تلك التفاصيل تجعل القراءة في الكتاب الورقي يمتزج بعاطفة القارئ وذاكرته، إضافة إلى الجانب الصحي والمادي؛ فالكتب الورقية تقلل من إجهاد العين، كما أنها لا تحتاج إلى توفر إنترنت أو بطارية لشحنه! وهذا يجعل الكتاب الورقي خيار مثالي لأؤلئك الذين يبحثون عن العزلة مع الكتاب.
من جهة أخرى، فإن الكتب الإلكترونية عملية جدًا لأؤلئك الذين يتجنبون حمل أوزان ثقيلة في حقائبهم، ف بضغطة زر واحدة يمكن للقارئ أن يجد نفسه في بحور من المكتبات داخل جهاز لوحي صغير، فيمكنه الوصول إليها في كل زمان ومكان، كما أن لهذا النوع من الكتب يوفر ميزات منوعة؛ فيمكن للقارئ كتابة ملاحظاته دون أن يَضُر بصفحات الكتاب أو ينزع منه كلماته، كما أن بإمكانه البحث السريع عن أي كلمة لا يعرف معناها، وهناك ميزات أخرى كتغيير حجم الخط بما يتناسب مع رغبة القارئ، ومع التطور الرقمي أصبح هناك انتشار واسع للكتب الصوتية أيضًا، وهذا سهل على القارئ معرفة محتوى الكتاب أثناء انشغاله في القيادة أو ممارسة رياضة المشي أو حتى في انشغاله بالأعمال الأخرى، جميع هذه الأشياء سهلت على القارئ في الحصول على المعرفة المطلوبة أكثر من أي وقت مضى.
في النهاية، الغاية ليست في الوسيلة وإنما في المقصد وبرغبة الإنسان وحصوله على المعرفة والتعلم وعلى ما تمنحه لنا عمق الكلمات سواء كان ذلك بين طيات تلك الكتب التي تناثر عليها الحبر أو تلك الشاشات المضيئة التي تُظْهر لك بحور من المكتبات بضغطة زر واحدة، فيظل الكتاب هو نفسه بوابة إلى عوالم أخرى مهما تبدلت الوسيلة التي نقرأ منها.
فالسؤال الآن ليس من يأخذ البساط عن الآخر، بل كيف نعطي القراءة حقها في حياتنا اليومية بأي وسيلة كانت، فالبعض يُفضل استخدام الكتاب الورقي بعيدًا عن ضجيج العالم ليعيش تجربة كلاسيكية فريدة من نوعها، بينما يفضل البعض القراءة من الأجهزة اللوحية بسبب مرونتها وميزاتها، والحل يَكْمُن في التوازن بين الإثنين واستخدام كل وسيلة في وقتها المناسب.
وأنت أيها القارئ، أيهما تفضل؟ هل ممن يفضلون تقليب صفحات الكتاب الورقي، أم أن الأجهزة اللوحية باتت ترافقك؟