الصحوة – نصر بن منصور الحضرمي
قال الله تعالى: “إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا”
لا حديث يعلو هذه الأيام في أروقة المكاتب الحكومية إلا حديث “إجادة”، تلك المنصة التي أضحت محورًا للجدل والتحليل منذ اعتمادها قبل ثلاث سنوات كأداة لقياس الأداء الفردي للموظفين. بين تحليلٍ لقائمة المُجيدين، وتفنيدٍ لمعايير التقييم، تحولت الممرات إلى ساحات نقاش ساخنة، يتجادل فيها الموظفون حول مَن يستحق التكريم، ومَن يرى نفسه الأجدر بذلك. لكن وراء هذا الجدل، تكمن قصة أعمق، قصة عن العدالة المفقودة، والحوافز التي تحولت إلى محفزاتٍ للإحباط.
فمنصة “إجادة”، التي يُفترض بها أن تكون أداةً لتحفيز التميز، تحولت إلى مصدرٍ للتوتر والاستياء. فبسبب تقنين النسب المئوية للتقييم، أصبحت المنصة تُقيِّد التكريم بنسبٍ محدودة، تاركةً المسؤولين المباشرين يوزعون “قطع الكعكة” وفقًا لأهوائهم ومشاعرهم الشخصية. ويتوزع جهد البقية كتوزع الدم في ثوب عثمان. وهنا تكمن المشكلة: فبدلًا من أن تكون المنصة أداةً لتحقيق العدالة، أصبحت أداةً لتكريس التفاوت وخلق بيئة عملٍ مشحونةٍ بالحساسيات.
فالموظف الذي يبذل جهده ويقدم أفضل ما لديه، يجد نفسه في النهاية خارج دائرة التكريم، ليس لأنه لم يكن متميزًا، بل لأن “المنحنى” قرر أن يضع غيره في المقدمة. هذا الشعور بعدم الإنصاف لا يولد فقط السخط والغضب، بل يدفع الموظفين إلى فقدان الحافز، ويجعلهم يمارسون الحد الأدنى من المهام المطلوبة، في انتظار أن يأتي يومٌ يُقدَّر فيه جهدهم الحقيقي.
ولم تكن قراراتٌ مثل حصر مكافأة المدير العام بمبلغٍ ماليٍّ كبير، بينما يُكرَّم فقط 10% من الموظفين بنصف راتبٍ أساسي، إلا بمثابة الزيت الذي أضرم النار في المشاعر المكبوتة. فكيف يمكن للموظف أن يشعر بالانتماء للمؤسسة، أو أن يبذل أقصى ما لديه، عندما يرى أن جهوده لا تُقدَّر بالشكل الذي يستحقه؟ كيف يمكن أن نطالب بالإبداع والتميز في بيئةٍ تفتقر إلى العدالة والحوافز العادلة؟
صحيحٌ أن الحكومة قامت بقراراتٍ تسعى من خلالها إلى ترشيق الجهاز الإداري وزيادة الإنتاجية، لكن جاءت “إجادة” بما لا تشتهيه الحكومة، فما يحدث على الأرض هو العكس تمامًا. فبدلًا من أن تكون “إجادة” أداةً لتحفيز التميز، أصبحت أداةً لتكريس الإحباط. وبدلًا من أن تخلق بيئة عملٍ إيجابية، أصبحت تخلق جدارًا من الحساسيات بين الموظفين والمسؤولين.
ولعل الحل يكمن في إعادة النظر في آلية عمل المنصة، وتوفير الدعم المادي الكبير اللازم لتحقيق العدالة في التكريم. فبدلًا من تقييد التكريم بنسبٍ محدودة، يمكن أن تكون المكافآت متاحةً للجميع، مع تفاوتٍ في قيمتها وفقًا لمستوى الأداء. كما أنه يتم تشكيل لجنة تقييم مختلفة في كل عام لضمان الحيادية والشفافية، ووضع معايير صارمة في اختيار اللجان، وأن تكون من خارج المؤسسة؛ فبهذه الطريقة، سيصبح التكريم حافزًا حقيقيًا للتميز، وستتحول المنصة إلى أداةٍ لتحقيق العدالة والإنصاف، بدلًا من أن تكون مصدرًا للإحباط والاستياء.
فالموظفون هم عماد أي مؤسسة، وعندما يشعرون بأن جهودهم تُقدَّر، سيبذلون أقصى ما لديهم لتحقيق التميز. وعندها فقط، سنرى إنتاجيةً عالية، وإبداعًا مؤسسيًا يقوده موظفون مخلصون، يعملون بجدٍّ لتطوير مؤسساتهم وخدمة وطنهم.