الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
قالت العرب ؛
لو كلّ كلب عوى ألقَمته حجراً
لأصبح الصخرُ مثقالًا بدينار
وقد صدقت العرب فيما ذهبت إليه ، عن حكمة ودراية وخبرة ، فمحيطنا الجغرافي مليء بالغربان التي تنعق ليل نهار ، ويزداد نعيقها بشاعة ووقاحة وضعة مع ترفّع الصقور وتحليقها أعلى النجوم حيث مكانها ومكانتها ، مترفعة متربعة في سماء المجد ، لا يضرها نعيق تلك الغربان البائسة التي لن تبلغ مبلغ الصقور ، ولو أفنت أعمارها في طلب ذلك .
منذ فترة ليست بالقصيرة وسلطنة عمان تتعرض لهجمة شرسة ممنهجة يقودها التائه ناكر الجميل والمعروف المدعو محمد المسوري ومن على شاكلته من زمرته المنحطة التافهة ، وازدادت هذه الهجمة وقاحة ودناءة وخبثاً خلال الأسابيع الأخيرة فباتوا يسرحون في ملعب السياسة لمسح الجوخ لأسيادهم ومشغّليهم ، لاعقين أحذيتهم للحصول على فتات الحسنات التي تُرمى لهم كرمي العظام إلى الكلاب الجائعة ، فتراهم تارةً يتهمون عمان زوراً وبهتاناً بتهريب وتصدير السلاح إلى اليمن ، وتارة يتهمونها بدعم الحوثيين بالمال ، وتارة ثالثة يزعم المسوري بموالاة عمان لإيران ، وأسيادهم يزينون لهم طغيانهم وكذبهم وافتراءاتهم ويمدونهم في غيّهم يعمهون ، فكأنهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، بل هم كذلك ، فتجارتهم خاسرة بإذن الله تعالى . هم الحُمُر المستنفرة ، فرت من قسورة .
إن مواقف سلطنة عمان في كافة القضايا الإقليمية والدولية ، تنبع من سياسة ثابتة انتهجتها منذ عقود طويلة ، وأكسبتها ثقة المجتمع الدولي ، الأمر الذي أهّلها لتكون طرفاً فاعلاً للقيام بجهودِ ومساعٍ خيرة لحل العديد من القضايا والنزاعات الإقليمية والدولية وكثير منها غير معلن ، ولهذا فإن سلطنة عمان ترفض كل صيغ الاستقطاب والمحاور إقليمياً ودولياً ، كما أنها عندما تقوم بهذا الدور الدبلوماسي المتقن لا تمن على أحد ولا تسعى إلى استغلال جهودها لتحقيق مصالح ذاتية أو توظيفها لتنفيذ أجندة خاصة بها ، وإنما هو إرث تاريخي وأخلاقي وأمانة ومسؤولية دينية ارتضتها الدولة العمانية وقامت بها بجدارة واستحقاق .
إنّ السياسة العمانية سياسة تراكمية لا تقوم على الانفعالية وردود الأفعال ، وإنما تقوم على ثوابت ومباديء عديدة ، منها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام سيادتها ، وفي المقابل ترفض التدخل على أي نحوٍ في الشؤون العمانية الداخلية والالتزام بمبادىء الحق والعدل والإنصاف وحل المنازعات بالطرق السلمية ، والعمل على الأخذ بسبل الحوار الإيجابي وتعزيز المصالح المشتركة والمتبادلة ، وفي الوقت ذاته تدعم كافة الجهود الخيّرة التي تقوم بها الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية والدولية من أجل إحلال السلام وتعظيم التعاون بين مكونات المجتمع الدولي . وعلى ذلك فإنّ أي منصف يُمعن النظر إلى مواقف السلطنة خلال العقود الخمسة الأخيرة ، سيدرك عمق وصواب تلك المواقف والقراءة الفعليّة والواقعية للأحداث بعيداً عن المزايدات والمناكفات السياسية المراهقة .
ومما لا شكّ فيه ، فإنّ هذه السياسة والمواقف العمانية يعرفها القاصي والداني ، كما يعلم بها كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، غير غافل أو متغافل ، أما من امتلأ قلبه بالحقد ، واعتاد لسانه الكذب والتدليس ، من أمثال هذا الكائن المدعو المسوري فهو عن الحق زائغ ، أعمى البصر والبصيرة ، ومع ذلك فإذا كان للبحر مد وجزر ، وللقمر نقص وكمال ، وللزمن صيف وشتاء ؛ فإن الحق لا يحول ولا يزول ولا يتغير . ” فوقع الحقّ وخسر هنالك المبطلون” .
ليس من عادتي الإتيان بأسماء أشخاص في مقالاتي ، فنحن ندفع الفكرة بالفكرة الناصعة ، والحجة بالحجة الدامغة ، ولكن ما دفعني إلى ذلك هو النعيق البذيء لهذا الغراب المدعو المسوري فقد تجاوز كل الحدود ، واستغل ترفّع الصقور ، وأصبح الرد عليه وتعريته واجب وطني ، فالسكوت على نعيق الغربان – من وجهة نظري – ضارٌ بمصالح الوطن خاصة إذا طال بنعيقها قياداته ورموزه السياسية والدينية ، لأنٌ هذه الرموز تُمثّل الدولة والشعب الذي آمن بحكمتها وسؤدد رأيها ، وأي مساس أو إساءة لها تعني إساءة للأمة بأسرها ، ثمّ إن السياسة العمانية هي في حقيقة الأمر تُشّكل صورة مثاليّة للتناغم بين الرأي الرسمي والشعبي ، نسجها وطرزها العمانيون بمباديء الحق والعدل والتسامح ، مدعومة بخبرة السنين وإرثهم التاريخي ، وأخلاقهم وسمتهم المعهود ، وخصوصيتهم المتفردة حتى في التعامل مع النفس وفي مواقفها وردود أفعالها .
لقد سقط المسوري وزمرته سقوطًا مدوّيًا سياسياً وأخلاقياً، وأصبح كالذباب يحوم على الموائد وينتقل من واحدة إلى أخرى ، ومثل هذا لا يُؤمن جانبه ولا يمكن تصديقه ، وكما قيل ؛ ” لا تُعاشر نفساً شبعت بعد جوع ” ، فإن الخير فيها دخيل ، والشرّ فيها أصيل .
إنّ الشعب اليمني عزيز على العمانيين ، فهم أشقاء عرب ويجمعنا بهم دين الإسلام ، وهم جوار لنا بيننا وبينهم وشائج قربى ، نحتفظ لجميعهم بمودة ومحبة خاصة ، ولكن لتعلم هذه الغربان بأنه ليس ذنب سلطنة عمان أن يتفرق الساسة اليمنيون فيقتتلوا مع بعضهم ، وليس من ذنب لسلطنة عمان أن يتفرق الساسة إلى شيع واحزاب ترتهن قراراتهم للخارج مغلبين مصالحهم الشخصية على مصالح بلدهم وشعبهم الذي يعاني القتل والتهجير والفقر ، وفقدان الأمن والاستقرار وبلادهم تكنى باليمن السعيد .
أيها الحمقى ، سلطنة عمان سياساتها معلنة وافعالها مشهودة مشرفة تتحدد وفقاً لثوابت ومباديء مستمدة من التاريخ والجغرافيا وتضبط إيقاعاتها بميزان الحق والعدل ومصالح الوطن التي تحفظ له سيادته واستقلاله ومكانته على المستوى الإقليمي والدولي ، دون إملاء أو ترهيب أو ضغط من أحد ، ولذلك فإننا نرسل لكم بعض الرسائل لعلكم تفهمونها وإن كنت أشك في ذلك.، لأنّ في قلوبكم نجس ورَين وزيغ ، وتنطلقون من قاعدة ” إمّا معي أو ضدي” ، وهيهات ثم هيهات أن تبلغوا مرادكم الخبيث .
– الرسالة الأولى ؛ عنوانها السلام الشامل لكافة شعوب المعمورة كي تحيا آمنة مطمئنة بعيداً عن الحروب والدمار والقتل والتهجير والفقر ، وذلك لتتمكن من القيام برسالتها الإنسانية والأخلاقية
-الرسالة الثانية ؛ عنوانها الحياد الإيجابي وعدم التدخل في النزاعات والصراعات الداخلية للدول وكذلك في المنازعات بين الدول، والبقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف من منطلق أن الشعوب والدول هي الأجدر على صياغة سياساتها وتحديد مصالحها ، وإذا قُدر لسلطنة عمان التقريب بين وجهات النظر المتعارضة فلن تدخر جهداً يفضي إلى رأب الصدع وتحقيق الوئام .
-الرسالة الثالثة ؛ عنوانها التسامح، وهو قيمة دينية وسياسية وأخلاقية متجذرة عمقاً في التأريخ العماني، وبفضل ذلك حافظت عمان على الوسطية والاعتدال ، ونأت بنفسها عن التشدد والتطرف وكراهية الآخر ، وشيّد العمانيون جسوراً من الود والمحبة والصداقة مع شعوب العالم ، كما أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية ، وكانوا بحق رسل سلام ودعاة تعايش وتقدم .
وأخيراً نقول للمسوري؛ احترم تُحترم ، ودع عنك ممارسة دور المراهق السياسي ، فالتعاطي مع السياسة لا يُتقنه إلا الكبار ، وما أنت إلا قزم قصير القامة والمقام ، جمعت من حاوية القمامة كل الصفات النجسة الخبيثة الوضيعة التي تناسب مقاسك ومقامك .