الصحوة – أسماء الشحية
كانت لي تجربة مصرفية سابقة في قسم القروض ومتابعة القروض المتعثرة، قابلت خلالها العديد من المتعاملين الذين لم تكن لديهم أي ثقافة مالية كنت ألقي الضوء على الفائدة المستقطعة منهم في حال طلبهم قرضًا ماليًا ومتى يمكنهم الحصول عليه وأضرب لهم أمثلة عديدة في محاولة لتوصيل المعلومة حتى يفهموا ما الذي سيضعون أنفسهم فيه ولكن دون جدوى! سؤالهم المتكرر كان فقط: أخبرينا كم السقف الذي يمكننا الحصول عليه؟ هنا، أقف بدون تعليق!
أحيانًا بعض الحالات تكون مجبرة على الاقتراض وبعضها لا تستحق عناء الاقتراض أصلًا كان لزامًا علي التوجيه من باب التوعية والتنبيه والشفافية وكنت أتمنى أن تبادر المؤسسة بإقامة ندوات تثقيفية عن الإنفاق فهي بشكل أو بآخر مستفيدة لأنها بذلك تقلل من حجم الحالات المتعثرة التي تستنزف أموالًا طائلة في عمل التسويات ومتابعتها لدى المحاكم.
لكن مؤسستي ربحية ومن غير المنطقي في نظرها استحداث هذا النوع من المبادرات وأقول في داخلي لماذا لا توجد مبادرة من قبل المؤسسات المسؤولة عن التوظيف لإعطاء دورات تشرح ما هي ثقافة المال وكيفية إدارتها للتقليل من التخبط العشوائي في إدارة الميزانيات الشخصية
فمن خلال مقالي هذا أتمنى أن أوضح ولو بالقليل مفهوم ثقافة المال فإدارة المال تعد من أكثر المهارات الحيوية في حياة الأفراد والمجتمعات إذ تعكس قدرة الفرد على التخطيط المستقبلي واتخاذ القرارات المالية الحكيمة والتكيف مع التحديات الاقتصادية.
الحديث عن ثقافة إدارة المال لا يقتصر على تخصيص الدخل بين النفقات والادخار بل يشمل أيضًا مجموعة من المهارات والنظريات التي تساعد الأفراد على العيش حياة مالية مستدامة بعيدة عن الأزمات المتكررة فثقافة إدارة المال تسهم في بناء أسس قوية لنجاح مالي مؤكد.
ومن وجهة نظري ومن نظر الأغلبية أن التحليل المالي الشخصي المستمر هو أداة أساسية لتحقيق إدارة مالية جيدة يتعلق الأمر بتقييم الوضع المالي الحالي للفرد من حيث الدخل والنفقات والديون والموجودات. عن طريق إجراء تقييم دوري يستطيع الفرد تحديد نقاط القوة والضعف في وضعه المالي على سبيل المثال يمكنه تحليل نسبة الدين إلى الدخل وتحديد ما إذا كانت النفقات تفوق الدخل أو إذا كان هناك مجال لتحسين الادخار أو استثمار الأموال بشكل أفضل.
أن الثقافة المالية لا تقتصر على حفظ الأموال أو تحديد ميزانية بل تمتد إلى تعلم كيفية استثمار الأموال لتعزيز الثروة الشخصية. فهم أسس الاستثمار وأدواته مثل الأسهم والسندات والعقارات وصناديق الاستثمار أمر ضروري لكل من يسعى لتوسيع قدراته المالية.
إضافةً إلى ذلك من المهم دراسة أساليب إدارة المخاطر وتنويع الاستثمارات لتحقيق التوازن بين العوائد والمخاطر. كما يجب على المستثمرين أن يكونوا على دراية بمؤشرات السوق وأخبار الاقتصاد العالمية فذلك يؤثر بشكل مباشر على قراراتهم.
وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يمكنهم إدارة أموالهم بأنفسهم إلا أن الاستعانة بمستشارين ماليين قد تكون خطوة حاسمة في بعض الحالات خاصة للأفراد ذوي الدخل المرتفع أو الاستثمارات المعقدة. فالمستشار المالي يستطيع تقديم رؤى متخصصة وطويلة المدى حول كيفية تخصيص الأموال التخطيط للتقاعد تقليل الضرائب والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة.
ومن أهم القواعد الأساسية في إدارة المال وجود صندوق طوارئ يُنصح بأن يوفّر الفرد مبلغا يغطي من 3 إلى 6 أشهر من نفقاته الأساسية في حساب ادخار سائل وسهل الوصول إليه. هذا المال يصبح طوق نجاة في حال فقدان الوظيفة أو التعرض لمرض مفاجئ أو أي ظرف طارئ آخر قد يؤثر على مصدر الدخل.
فمن الضروري أن نُربّي أنفسنا على الصبر والقدرة على إدارة المال بفعالية. الكثير يقعون في فخ الإغراءات الاقتصادية ما يجعلهم ينفقون بشكل غير مدروس أو يشترون أشياء لا يحتاجونها.لذا، يجب أن يتعلم الفرد كيف يقاوم هذه الإغراءات، ويلتزم بموازنته وأهدافه الشخصية.
وقد غيرت الثورة الرقمية طريقة إدارة المال بشكل جذري فأصبحت التطبيقات والمنصات الرقمية أدوات حيوية تتيح تتبع النفقات تسديد الفواتير وتحليل الموازنة الشخصية. كما انتشرت منصات الاستثمار عبر الإنترنت مما سهّل الوصول إلى الفرص الاستثمارية بتكاليف أقل لقد جعلت التكنولوجيا الإدارة المالية أكثر شفافية وسلاسة.
ويمكننا بناء مجتمع أكثر قدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية من خلال تعزيز الوعي المالي بين جميع الفئات من الشباب وحتى الأسر ذات الدخل المحدود ويعزز توجيه الأفراد إلى أدوات إدارة المال الصحيحة من قوة الاقتصاد المحلي ويحقق الاستقرار المالي.
أن تبني العادات المالية الذكية يحدث فرقًا كبيرًا في تحسين الوضع المالي بشكل مستدام ومن هذه العادات: تخصيص نسبة من الدخل للادخار وتقليل النفقات غير الضرورية والبحث عن طرق لزيادة الدخل (مثل الأعمال الجانبية أو المشاريع الصغيرة) كما يجب الابتعاد عن العادات السيئة مثل التسوق العاطفي أو الاعتماد المفرط على بطاقات الائتمان.
وأخيرًا علينا أن ندرك أن ثقافة إدارة المال ليست مجرد مبادئ حسابية بل أسلوب حياة يعكس استراتيجيات واستثمارات ذات تأثير كبير على الأمان المالي من خلال المعرفة السليمة والتطبيق المتوازن يمكننا بناء أساس قوي للنجاح المالي الشخصي والمساهمة في مجتمع اقتصادي صحي ومستدام في مواجهة التحديات العالمية المستمرة.