الصحوة – بلقيس صالح الهشامية
لطالما اختارت عمان السير في طريق السياسة الهادئة والسلميّة، وترفض الإنحياز والتدخل السلبي في الصراعات السياسية، فلا تندد بالشعارات ولا تلوح بالقوة، بل تتدخل كرسول دبلوماسي مؤتمن بين الأطراف المتنازعة. واليوم بينما يعلو صخب النزاعات وتغيب معه لغة العقل، تبرز سلطنة عمان مجدداً كرسول تهدئة لتجمع الطرفين الأمريكي والإيراني في العاصمة مسقط في يوم يضاف إلى سجل عمان الحافل بالنجاحات الدبلوماسية، من أجل الحوار ورأب الصراع في المنطقة.
لماذا عمان؟
إن موقف سلطنة عمان ونهجها الودي المستمد من رؤية السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الذي أراد لها أن تكون “صديقة للجميع” جعل منها بلداً يتمتع باستقرار سياسي داخلي وخارجي. بالرغم من موقعها الجغرافي المحاط بالتوتر والصراع المستمر، وذلك لأن عمان في كل نزاع لا تميل لأي محور صدامي وموقفها دائما ما يكون حيادي مع كل الأطراف.
وقد عملت عمان بلا كلل لتحقيق ذلك، حيث أقامت علاقات ودية ووسطية مع الدول لأخرى، وتبنت سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير. وقد كان السلطان قابوس سابقا حلقة وصل بين العالم العربي والغربي والفارسي ويواصل السلطان هيثم اليوم على نفس النهج الدبلوماسي المتزن.
وانعكس ذلك بشكل إيجابي على عمان؛ حيث ساهمت العلاقة العمانية الطيبة مع طهران، بأسسها ومبادئها الراسخة والداعمة لتعزيز السلام والاستقرار، لجعلها جسرا وثيقا تعول عليه إيران في علاقتها المتوترة مع الدول العربية والغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اختارت إيران سلطنة عمان مجددا كوسيط يقرب بينها وبين واشنطن، لكونها تمتلك تجربة إيجابية مع سلطنة عمان، وتثق في نواياها الحسنة، كما ان العلاقة بين البلدين قائمة على التفاهم المتبادل وذلك ما اكده تصريح عراقي، وزير الخارجية الإيراني مؤخراً لوكالة تسنيم.
ولا يعد هذا أول إنجاز في سجل الدبلوماسية العمانية إنما حلقة جديدة من تاريخ حافل بمحاولات حثيثة وناجحة لتخفيف ورأب الصراعات لاسيما في السجل النووي الإيراني، اذ ان سلطنة عمان عملت بجد لدعم جهود واشنطن وطهران لصياغة نوع من الاتفاقات المصغرة. ففي عام عام 2023 بذلت جهود حثيثة لتخفيف الاضطراب بين واشنطن وطهران، وتزايدت وساطتها بين الطرفيين بشكل أكبر في 2019 بعد ان زار وزير الخارجية السابق يوسف بن علوي طهران ثلاث مرات في نفس العام، وقبلها بأربعة أعوام توسطت عمان بين طهران وواشنطن لإطلاق سراح سجناء أمريكيين سجنوا في إيران مثل جيسون رضائيان، وفي 2013 اضطلعت بدورها الوسيط لتمهيد الطريق نحو الاتفاق النووي التاريخي والذي تم توقيعه بعد ذلك بعامين، عبر مفاوضات سرية.
وخلال هذه الأوقات الصعبة التي يعاني فيها العالم من فوضى إقليمية تتجه عيون العالم من جديد نحو العاصمة العمانية مسقط، التي تواصل جهودها المترامية كحلقة وصل تدعو للسلام والتفاهم وتبادل الحوار للتقريب بين واشنطن وطهران.
وستبقى عمان اليوم كما كانت في الماضي، صوتا للسلام، وحلقة وصل محايدة بين الأطراف المتوترة بنهجها وموقفها الثابت الذي تتعجب منه دول العالم وتثني عليه.