أزقة ترابية اتكأت على جنباتها جدران طينية لبيوت معتقة أثرية لتشكل بذلك حارات قديمة، تلك الحارات جسدت بين ملامحها معالم في حقب زمنية من عصر آفل، لتشكل بذلك إرثاً ثقافياً حضارياً ومعلماً تراثياً في السلطنة. والمتجول بين أروقة التاريخ يجد أن عمان لم تكن مجرد حيزاً جغرافياً يملأ ثغر المعمورة بل هي كياناً معرفياً وثقافياً يتفاعل مع معطيات كل عصر منذ عهود غابرة، تسارعت خطوات الزمن لتترك آثارها بين قسمات وجه الحارات القديمة التي تعاقبت عليها الظروف المناخية لتسلبها بضعة من لبناتها وتترك بصمات الزمن شاهداً على ملامحها لتحتفظ بوجهها الأثري العريق.
تكتنز الولايات العمانية العديد من الحارات القديمة الأثرية والتاريخية .. التي تعد مفتاح أثري يكشف العديد من السياقات الاجتماعية التي كانت تدثر الحياة العمرانية في الماضي، تحتضن الحارات القديمة عدد من القلاع والحصون والبيوت والمساجد التي ظلت شاهداً على براعة الإنسان العماني في البناء المعماري، حارات قديمة لملمت بين جنباتها عدد من المعالم مثل الأسواق القديمة المترفة بروح الماضي ..لتحكي هذه الحارة أحد الملامح الأثرية التي تعتمر قلب القرى القديمة لتغدو ذاكرة حية وشاهداً على حقب ماضية ..
وعلى الرغم من الأهمية الكُبرى التي تمثلها تلك الحارات القديمة كونها أحد وجوه السياقات الاجتماعية القديمة للسلطنة، وجهود العديد من الجهات الحكومية لحفظها وإبقاءها حية رغم تدافع النهوض العمراني كل يوم، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي، فإن نظرنا في صحفنا اليومية سنجد أن مقالات وتحقيقات قليلة كُتبت عن الحارات القديمة وعمرها التاريخي، وتفاصيلها .. إلى جانب قلة وضعف المواد الفيلمية مثل أفلام وثائقية أو برامج ثقافية تسرد لنا حكايات هذه الحارات في كل حلقة وتحميها من تسارع خطى الزمن الذي لا يتوقف!
لذا من الضروري سعي الجهات المعنية بتحقيق توأمة بين جهودهم في الحفاظ على مكنونات هذا الإرث الثقافي إلى جانب توثيقه خطوة بخطوة مع الجهات الإعلامية، للتأكيد على أهمية تلك الحارات ولحفظ هويتها من الاندثار، ويتم ذلك من خلال وضع مجموعة من الخطط، ومن ثم السعي لتنفيذها لتخرج من حيز الأوراق إلى الواقع، ضف على ذلك أهمية استخدام التقنيات الحديثة في توثيق تلك الحارات، ومن ثم يمكن إدراجها ضمن المواقع الإلكترونية لوزارة السياحة كأحد المعالم السياحية التي قد تهم زوار السلطنة.
في هذا المقال لست بصدد الحديث عن أساليب الترميم والحفاظ على الحارات القديمة، فهي أمور يقوم بها أهل الاختصاص، ولكن الحديث هنا من وجه نظر إعلامية بأهمية تعزيز دور الإعلام بكل أشكاله وصوره في توثيق وتصوير وسرد حكايات تلك الحارات، من أحد الاقتراحات التي أجد أنها ستقوم بالحفاظ على هوية الحارات في الذاكرة العمانية هي توجيه أحد الأعمال الدرامية لإلقاء الضوء على الحارات القديمة، ويتم توظيف التصوير والسياق الدرامي لإظهار جماليات هذه الحارات في السابق، ونسج قصة درامية تعكس أنماط الحياة الاجتماعية في السلطنة في الماضي. أو التوجيه لعمل سلسة من الأفلام الوثائقية التي تتناول حارات قديمة من ولايات عمانية مختلفة. والعديد من الأفكار في المجال الإعلامي.
نحن بحاجة لجهود إعلامية أكبر من مختلف الجهات، وبالتحديد وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لتأصيل أهمية هذه الحارات وتسخير كل الإمكانيات اللازمة وذلك للحفاظ عليها والترويج لها وتوثيقها في مختلف وسائل الإعلام كجزء من الموروث الثقافي والحضاري لعمان، لتصبح مزاراً سياحياً بحد ذاتها للعديد من المهتمين باقتفاء أثر وملامح الماضي المنغمسة في الحاضر وعلى عتبات المستقبل.
أمل محمد النوفلية
باحثة وكاتبة إعلامية ومعدة برامج تلفزيونية