الصحوة – أسمهان الهنائية
في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا كوفيد_19 وما رافقه من إجراءات غيرت مسار الحياة الطبيعية للكثيرين، وأسهمت في ظهور أنماط حياتية متنوعة، كان لكل ذلك أثر على الصحة النفسية للناس لا سيما مع ما تسببت فيه الجائحة من قلق وخوف لدى الناس، وحول هذا الموضوع التقت “الصحوة” بالدكتورة نوال بنت ناصر المحيجرية، طبيبة نفسية ورئيسة وحدة الطب النفسي الجسدي بالمستشفى السلطاني، ومدربة معتمدة في مهارات التواصل والذكاء العاطفي، وكانت تفاصيل الحوار معها كالتالي.
استهلت الدكتورة حديثها بالتطرق إلى أسباب القلق والفزع الذي أثاره كورونا بين عامة الناس، والأسباب الكامنة وراء ذلك، أشارت د. نوال أنه في الأصل هناك بعضا من الأشخاص ذو الشخصيات القلقة، الذين تفاقم معهم هذا القلق بشكل أكبر مع انتشار جائحة كورونا، مؤكدة أنها تتلقى اتصالات هاتفية وزيارات في العيادة لأشخاص يعانوا من الوسواس القهري والقلق الصحي في ظل وجود الفيروس في الأجواء، مؤكدة أن هذا القلق يحفز ظهور أعراض وسواسية أخرى.
كما أوضحت أن الشائعات وتهويل الأمور ذات العلاقة بتفشي الجائحة ساهمت بدورها في رفع معدلات القلق لدى الناس، مشيرة إلى أن خوف الناس من كورونا ينبع من كون الإنسان يخاف من المجهول أكثر من الأمور التي يعلمها، حيث أن الفيروس يحوي نسبة من الغموض التي تثير التوجس لدى الناس.
وأضافت أن الإجراءات التي تم اتخاذها للتعامل مع الجائحة كتوقف الكثيرين عن العمل إلى جانب إغلاق الكثير من المجالات ومنع السفر، كل ذلك ساهم في وقوع خسائر مادية نتج عنها توترات وتبعات نفسية إضافية على المجتمع التي بدورها ساهمت في زيادة الخوف والقلق، كما أن إغلاق المنتزهات والمطاعم ومؤسسات التعليم شكل حالة من الضغط النفسي على أفراد المجتمع.
كما أكدت أن هذا القلق لا يتعلق فقط بخشية الناس من الموت أو إصابتهم بضرر جسدي إثر إصابتهم بالفيروس، ولكن يتعدى ذلك إلى قلقهم من تعطلهم عن العمل والانعزال والاستبعاد الاجتماعي الذي ينتج عن معرفة الناس بأن أحد الأفراد مصاب أو يخضع للحجر الصحي، حيث أن هذا الفرد في هذه الحال يخاف من خسران وظيفته أو خوفه من إمكانية أن يصبح مصدرا للعدوى، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى التنصل من الحجر الصحي أو الإجراءات الصحية الواجب إتباعها التي أقرتها المؤسسات الصحية والجهات المعنية، وهو الأمر الذي يضاعف زيادة القلق لدى الناس كون أن ذلك يسهم في تفشي المرض بصورة أكبر.
وفي هذا الإطار أشارت د. نوال إلى عدد من النصائح المساعدة في التحكم في مشاعر القلق والتوتر منها، التقليل من التعرض للأخبار السلبية التي قد تؤدي إلى زيادة الإحساس بالهلع، وضع حد أقصى لمعرفة الأخبار عن تطور الفيروس وليكن ٣٠ دقيقة في اليوم مثلا، ضرورة الاستمرار في الحفاظ على الروتين اليومي مثل الاستيقاظ في الموعد نفسه، محاولة الفصل بين الالتزامات العائلية والتزامات العمل أثناء العمل في المنزل، محاولة تعلُّم هوايات جديدة أو خلق روتين جديد حتى انتهاء هذه الفترة، أو أداء بعض المهمات المؤجلة، الشعور بالتفاؤل، الالتفات إلى قيمة اللحظة الحالية وإلى قيمة الصحة، محاولة البعد عن الأشخاص السلبيين والبعد عن مصادر التوتر قدر الإمكان، محاولة مساعدة الآخرين، والخروج خارج الذات، طلب المساعدة من الآخرين، سواء من المقربين أو طلب المساعدة النفسية من خلال العلاج السلوكي المعرفي، ومن الممكن أن يتم ذلك عبر الإنترنت، خاصةً مع توافر وسائل التواصل من خلال الفيديو، التعبير عن مشاعر الغضب أو الآلام النفسية والتحدث عنها؛ لأن الكبت قد يؤدي إلى الاكتئاب أو زيادة الأمراض النفسية التي قد لا تظهر آثارها الآن، بالإضافة إلى ممارسة تمارين التأمل من خلال تطبيقات الموبايل أو ممارسة أي نوع من التمارين الرياضية في المنزل.
عنصرية
وحول الحديث عما يمكن أن ينتج عن تفشي الجائحة من آثار اجتماعية كالعنصرية والكراهية الناجمة عن الفكرة السائدة بين عدد من المواطنين التي تتمثل في اعتبار الوافدين لا سيما طبقة العمال بؤرة انتشار المرض نظرا لظروفهم المعيشية التي تفتقد نوعا ما إلى الصحة والسلامة، أكدت الدكتورة نوال أن ذلك تسبب في ظهور التنمر الكوفيدي والتمييز العنصري الكورورني وتنبه المجتمع عامة أن الأمر أصبح ظاهرة بدأت في الانتشار التي أصبح من الضروري التنبه لها لما من آثار نفسية واجتماعية وخيمة.
تباعد اجتماعي
وفيما يتعلق بعدم تقيد الكثيرين بالإجراءات الصحية اللازمة لتفادي الإصابة بالمرض، وتقليل الكثيرين من إمكانية إصابتهم بالمرض، أوضحت د. نوال أن قراءة هذا الأمر من جانب الأطباء النفسيين يتطلب استيعاب الآثار الناتجة عن التباعد الاجتماعي على الأفراد حتى يسهل فهم ردود أفعالهم ذات العلاقة بالتعامل مع المرض، مشيرة إلى أن التباعد الاجتماعي هو ببساطة يتمثل في تجنب التجمعات والاتصال الوثيق بالآخرين.
وأضافت أن الخبراء في مجال الصحة يعتبرون التباعد الاجتماعي أمرًا بالغ الأهمية لما له من دور كبير في إبطاء وتيرة انتشار الفيروس، وتفادي الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، وحمايتها من الإنهيار في حال إرتفاع معدلات الإصابة إلى المستوى الذي لا يمكن التعامل معه بكفاءة، إلا أنه رغم ذلك تبقى هناك آثار سلبية لهذا التباعد، وفق ما أكدته إحدى الدراسات العلمية حول هذا الأمر ضمن فرضيتين متضادتان، تتمثل أحدهما في إمكانية تسبب التباعد في تفاقم الوضع لدى من يعانون من مشاعر العزلة والوحدة، في المقابل من الممكن أن يكون هذا التباعد سببا في تحفيز الآخرين على التواصل المجتمعي، حيث أنه ربما يمثل الاحتمال الأكثر تفاؤلا لا سيما في حال زيادة وعي الناس بطبيعة الوباء، الأمر الذي يدفعهم إلى البقاء على الاتصال واتخاذ تدابير إيجابية أخرى.
كما جاء في دراسة أخرى أن المشكلة لدى البعض لا تكمن في التباعد وحسب، بل في فكرة الحرمان من شيء، مثل عدم قدرتهم على الذهاب إلى المساجد أو الكنائس، أو الخروج للتنزه وزيارة الأهل، أو الخوف المصاحب لعدم معرفة ما سيحدث في الغد من تطورات ذات العلاقة بالفيروس، وشددت الدراسة على ضرورة حماية الإنسان لنفسه ولجهازه العصبي عن طريق تحديد ما يؤثر به وما لا يؤثر به، حتى لا يصل به الحال إلى التأثر بأي شيء أو كل شيء من حوله. وأكدت د. نوال على أن هناك اختلاف كبير في قدرة الناس على التعامل في العزلة الاجتماعية، حيث أن هناك من يعاني من مشكلات القلق الاجتماعي والاكتئاب والشعور بالوحدة وتعاطي المخدرات وغيرها من المشكلات الصحية، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بإجراءات التباعد الاجتماعي على نحو سلبي، مشيرة إلى أن الجميع من مختلف الفئات العمرية معرضون لهذه الآثار.
دعم نفسي
وفيما يتعلق بتقديم الدعم النفسي للعاملين في القطاع الصحي، أكدت د. نوال أنه لا بد من الاعتراف بالدور البطولي للقطاع الطبي، موضحة أنهم يعيشون حالة أشبه بالحرب داخل المؤسسات الصحية، حيث أنهم لا يملكون الوقت الكافي للاهتمام بحالتهم النفسية، لذا لا بد من الاهتمام بهم من خلال تقديم الدعم النفسي خلال وبعد الأزمة، فقد يعاني بعضهم من إضطراب ما بعد الأزمة والاضطرابات المزاجية، مشيرة إلى أن هناك عدد من المبادرات الداعمة التي تم إطلاقها على مستوى العالم وعلى المستوى الوطني أيضا كمبادرة “شبكة عمان للصحة النفسية” و هي مبادرة تطوعية لتقديم الدعم النفسي اللازم للطاقم الطبي في المستشفى السلطاني.
كما أكدت على أن إطلاق منصة “عمان نحو التعافي” سيسهم في تعزيز الصحة النفسية للجماعات والمجتمعات، كون أن المنصة تحمل في رسالتها تعزيز مفاهيم المسؤولية المجتمعية والعمل الجماعي اللازمة لمكافحة كورونا ومجابهة الجائحة بأقل خسائر ممكنة.
تعزيز المناعة
وعند الحديث عن أهمية العلاج النفسي لمصابي كورونا، أكدت د. نوال على أهمية هذا النوع من العلاج الذي يعد مطلبا أساسيا ولا يقل أهمية عن نظيره المتمثل في العلاج الطبي، مشيرة إلى أن المصابين بحاجة إلى العلاجين. كما أكدت على أن كورونا سيسهم في تعزيز المناعة النفسية للناس على المدى البعيد، كونه يمثل تحدي للبشرية الذي سيسهم بدوره في تعزيز المرونة النفسية التي تتمثل في القدرة على تغيير المواقف والإجراءات الواجب إتخاذها عند ظهور أحداث جديدة أو غير متوقعة، حيث ستوفر هذه المهارة إمكانية أكبر للتعامل بسهولة أكثر مع الأزمات والمواقف الصعبة، دون الحاجة إلى فترات طويلة من الزمن.
وأضافت أنه بالإضافة إلى المناعة النفسية التي سيكتسبها الفرد والمجتمع، سيتعلمون العديد من الأمور الصحية والاجتماعية، كالحفاظ على الصحة الشخصية، والاحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، وتعلم التعامل الإيجابي مع الأزمات، واكتساب المرونة الإيجابية مع تغير الروتين في الحياة وأوقات الفراغ، وتعلم الزهد في الأمور التي اعتاد الأفراد عليها واختفت مع وضع الطوارئ، مؤكدة على ذلك بذكر المثل الياباني الذي يقول “الأزمات فرص”، حيث أن هذه الأزمة هي فرصة لتعلم قيم مهمة للنسيج المجتمعي.
مرحلة التعايش
أما فيما يخص التدابير اللازم اتخاذها في مرحلة التعايش مع الفيروس أشارت د. نوال إلى أن هناك مجموعة من النصائح لمختلف الفئات العمرية، بدأتها بفئة الأطفال التي من المهم أن يتم توعيتهم بعبارات لا تخيفهم وتتناسب مع مستواهم العقلي، وألا يظهر الوالدان القلق أمام أولادهم وعدم التحدث الزائد عن الموضوع، مؤكدة أن هذا الوضع يمثل فرصة ثمينة لتوعيتهم حول النظافة الشخصية، وملء أوقات فراغهم جيدا، مع مراعاة عدم إنقطاعهم عن التعليم لمدة طويلة، وأن لا يبقى الطفل حبيس المنزل، أيضا يجب أن يتعرض للهواء والشمس تحت الإشراف بعيدا عن أي أطفال مصابين.
أما بالنسبة للمسنون فقد أكدت على حاجتهم للعناية بشكل أكبر، كونهم يعانون من هشاشة صحية ونفسية أعلى من غيرهم، لذلك من المهم البقاء بالقرب منهم والتواصل معهم، مع الحرص الشديد على عدم نقل العدوى لهم، ودعمهم من الناحية المعنوية والصحية بما فيها من تغذية ورياضة وتهوية جيدة، والإهتمام بظهور أي أعراض مرضية حتى لا تتأخر الرعاية الصحية اللازم تقديمها لهم.
في الجانب الآخر هناك أيضا فئة أخرى بحاجة إلى العناية وهي فئة مقدمي الخدمات الصحية للمصابين، حيث أكدت د. نوال أن هذه الفئة أكثر عرضة للضغوطات الإضافية لكثرة الأعباء عليهم، حيث ينصحون دائما بضرورة الابتعاد عن أبنائهم وأزواجهم وعائلاتهم، ولديهم محاذير أكثر من الآخرين، خصوصا أن بعضا منهم أصيبوا بالفيروس، كما تؤكد على ضرورة الثناء على ما يقومون به ودعمهم مجتمعيا وتقديم الدعم والمشورة النفسية لهم، كما لا يمكن أيضا إغفال فئة أهل المريض فهم في حاجة ماسة إلى المعلومة الطبية المتزنة والمطمئنة. وتنصح د. نوال المجتمع كافة بضرورة العودة بحذر والتكيف مع الوضع المعيشي الجديد ما بعد ذروة أزمة كورونا والعيش والتعايش مع كورونا بطريقة صحيحة وصحية متزنة.