الصحوة. – أسماء الغبر المخينية
دار السخاء سلام عليكِ وكل السلام وإكليل من زهور الياسمين لمسمّاكِ الراقي الحَسن فانتِ رندةً يفوح عطرها صبح مساء، بدأتُكِ بنقاط على عدد حروف اسمكِ وإني لأُجزم أن من استنشق تراب العفيّة سيعرفكِ، فاسمكُ لك وحدك لا يشبههُ أحد، يطيب لي أن أعيش بكِ أيام ولحظات مرت من عمري، في السبعينات نَشْأتي كانت بين فراديس جنانكِ، وثمانيات مراهقتي كانت بين أجنحة أمانكِ، وتسعينات شبابي كانت بين حكمة عطاءكِ، وألفينيات أُمومتي ما زالت بين ركن من أركانكِ ألا وهي الرشة رشة الهدوء والتفاهم، فأجمل ما يلوح في ذاكرتي جداول من الذكريات المثالية والرائدة والخاصة بك، وأحن ما يلوح ويلمع في ذاكرتي نسائم شهر رمضان الفضيل وجماليات أيامه، واستعدادات أمهاتنا لاستقباله، وعظمة الفرحة الرمضانيّة التي تنثر عبقها المبشر في أواخر شهر شعبان، ما أروع تلك الأحاسيس الروحانيّة في هواءكِ أيتها السخية.
بدايةً تتراءى لناظري حبات الرز التي تتطحن قبل قدوم الشهر بأسبوع، أو أسبوعين مع إحدى الأمهات في حارة البلوش الكريمة؛ وذلك لإعداد طبق المهلبيّة اللذيذ والمسمى بالصوريّة “ملبنة”، وعند دخول الشهر تصافح القلوب المحمديّة ليلة التراويح والبهجة المشعة في وجوه الجميع صغير وكبير عربيّ وأعجميّ مسلم، وتتهلل الأصوات بالتسبيح والذكر والمناجاة الصادقة والدعوات المُلَحنة بحناجر ذهبيّة تصدع في مكبرات المساجد، ثم يأتي وقتكَ أيها الراحل عمي “مقطوف” – رحمة الله عليكَ- ليوقظنا للسحور مستعينًا بطبلة صغيرة وصوتًا لا يُنسى “سحور سحور” فتعم روائح السمك المقلي والأرز الأبيض والروب مع قليل من البصل، لله دركِ يا طيبة الذكر أنتِ، بعدها يأتي وقت القيام فتبدأ التوافيق من الله سبحانه وتعالى برزق يرزقه عباده من الصلاة، أو قراءة القرآن، أو وردٍ من الاستغفار حتى تهل هيبة الآية الكريمة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}، فتبدأ التكبيرات ولا أنسى ولن أنسى الصوت البارز والذكر الحنين والروح القانعة واللسان الذاكر عمي “سالم ابن علي “النِكْد” وهو يتميز بصوته الجهوريّ الصادق الذي أدعو الله تعالى أن يكون ممن وصفهم الرسول – صلى الله عليه وسلم- بأطول الناس أعناقًا، ثم يخلد الجميع للنوم معانقًا بركات الشهر وطهارة الأوقات.
ويتخلل النهار للنساء جلسة “الرايح” الله الله الله يا رايح مخا، إذ اللمة النسائيّة التي لا تخلو من خدمة الدشداشة الصوريّة، والثوب الصوريّ والقيطان (خياطة يدويّة خاصة لنساء العفية)، والمارة من الباعة للثياب، وشيء من الأكلات الطازجة؛ للبيع هنا وتأتي فترة العصر الممزوجة بالعقلانيّة، والتصرف الرائد، فالكل له عمله وله اختصاصه، النساء في المطبخ، الرجال في السوق، والأطفال في ساحة المسجد، نعم الفترة العصريّة فترة النقاء والصفاء والنوايا الطيبة، فترة القلوب المُحِبة والأرواح المخلِصة، فترةٌ يحضر وبرضى المثل القائل: “اللي يفوح في بيتي ينغرف في بيت جاري” بمعنى تبادل الأصناف من الأطباق الصوريّة الخاصة، وأراني اتبسم ضاحكة وذاكرتي تقول و”مْأذُون” آه يا روعة الفسحة بجانب مسجد الحارة الغالي مسجد علي ابن جمعة – رحمة الله عليه- وجزاه الله عنا أعظم الجزاء، إذ كان هذا المسجد وما زال نبض مخا الإيمانيّ الخالص، ومرجعنا للعب خارج أسواره في الوقت ذاته وألعابنا كثيرة ومتنوعة خاصة “المحلّة” (الجري خلف بعصنا البعض ومن يتم مسكه يجري ليمسك أحد) “وقفز الحبل للبنات” ولعبة الخفاء تكون مشتركة بين الذكور والإناث. كانت الحياة جميلة والنفوس مستكينة حتى يدخل وقت الأذان، فنجري ركض الفرحة عالين الأصوات (وأذُن أذن فطروا فطروا يا صائمين باكر بتصبحوا نائمين)، وندخل البيوت؛ لنجد صحون الفطور جاهزة للخروج بها مع الأصحاب والأصدقاء؛ لنتعلم أن الأهل والجيران هم نعمة الحياة في السراء والضراء، وهكذا تمضي أيام الشهر بابداع ربانيّ ساحر مملوء بالرحمة، والمغفرة، والثواب العظيم؛ ليزهو العيد بأفراحه وشعائر قدومه والاحتفال به خير احتفال .. مخا لكِ في ذاكرتي الكثير من العادات والاعتقادات والجماليات المميزة والفريدة، ولأهلك الابداع في شتى ميادين الحياة يا موطن بن عبادي ويا سالم وزاهية شعبانيّة شعبان، عروس العرائس بطرب مغايض، والرزحة وروائع مناسبة الزواج، مريحانة الأضحى وسمحة البحر، وغنجة الأمواج، يا بهوانيّة الخير والكرم والفضيلة، يا بلالية الشموخ والعزة، وكرم الحوافنة، وقدافية المعدن الأصيل، وحاكمة سكة البوش، يا قبيلة يعرف محلها الجميع بلا منازع أنتِ أغنية تلتفت لها كل الرقاب، فأنتِ لا ينتهي الكلام فيكِ وتتجمل القصائد بوصفكِ يا أمنيّ وأمانيّ ومأمنيّ أنتِ نجمًا سُهيلًا يتلألأ في رحاب العفية وإن طاب للقلم وقتًا فلحديثي في حناياكِ لا ينتهي’