الصحوة – د. حمد بن ناصر السناويّ
في الأسبوع الماضي أرسل لي أحد الزملاء مقطع توعويّ لطفل يبدو حزينًا لا يتناول الغداء في صمت، وعندما تسأله والدته عن المدرسة يجيب “جاني الذئب” فترد عليه: “لا تقل مثل هذا الكلام؛ وعندما يكرر العبارة نفسها لوالده يرد الأب: “هذا الكلام عيب، لا تكرره” وفي نهاية المقطع تظهر عبارة “الطفل لا يكذب عندما يقول إنه تعرض للتحرش”.
يعرف علماء النفس التحرش الجنسي: أنه مجموعة من الأفعال غير المرحب بها والتي تتفاوت من الانتهاكات البسيطة مثل: التلفظ بتلميحات جنسية أوإباحية، وصولا إلى الاعتداء الجنسي، والتحرش سلوك شاذ خارج عن الفطرة الإنسانية وجريمة أخلاقية تنم عن اختلال في نفسيّة المتحرش الذي غالبًا من يكون أكبر سنًا أو ذو سلطة أو نفوذ يسيطر بها على ضحيته.
يتضمن سلوك التحرش التحديق في جسد الضحية بشكل واضح أو إلقاء التلميحات والعبارات الجنسية الفاضحة التي تصف جسد الضحية وهذا السلوك عُرضَ في العديد من الأفلام والمسلسلات، وهناك أيضًا النوع التحككي إذ يقوم المتحرش بالالتصاق بالضحية في الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى النشوة الجنسية، وفي بعض الأحيان يقوم باستعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية ويستمتع بنظرة الدهشة والإستغراب والخوف على وجه من يراه. وقد يستخدم البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي في ملاحقة الضحية وإرسال صور لأعضائه التناسلية؛ مما يسبب مضايقات مستمرة للضحية.
وقد أشارت الدراسات البحثية الصادرة من بعض الدول العربية أن التحرش الجنسي منتشر في المدارس بدرجات متفاوتة ويعد طلاب المرحلة الإبتدائية الأكثر تعرضًا للتحرش الجنسي إذ تصل النسبة إلى 23% من الأطفال من سن (6-10) سنوات في إحدى الدول، بينما تعرض 27% من الطلاب دون سن الرابعة عشرة للانتهاك الجنسي في بلد أخر ، ونحو 16% من التلاميذ دون سن 18 تعرضوا للإساءة الجنسية في بلد ثالث. و أشار تقرير نشرته منظمة غوث الأطفال السويدية شمل 13 بلدًا من مختلف دول العالم أن ما بين 13 و27% من أطفال تلك البلدان تعرضوا للإساءة الجنسية، وأن ملايين الأطفال حول العالم يخضعون للاستغلال الجنسي في إطار ما يعرف بتجارة الجنس والدعارة.
تختلف الأثار النفسية على الضحية باختلاف نوع التحرش وعمر الضحية وعلاقتها بالجاني، ففي الحالات التي يتم فيها التحرش بطفل و يكون الجاني أحد أفرد الأسرة المقربين يكون التأثير النفسيّ عميقا وتبقى أثاره لفترة طويلة ويكون لها أثرًا سلبيًا في قدرة الضحية على تكوين علاقات صحية بالأخرين حتى بعد تجاوز مرحلة البلوغ. ومن أهم هذه الأثار فقدان الثقة بالنفس خاصة إذا قام الجاني بالتلميح بأن الضحية “يستمتع بالتحرش“ أو عندما لا يجد الضحية عونًا من الأخرين عندما يخبرهم بما حصل خاصة إذا كان الجاني من أفراد الأسرة المقربين فيتم التكتم على الموضوع؛ خوفا من العار والفضيحة أو من إنهيار الأسرة إذا ما تمت محاكمة الجاني ودخوله السجن، فيؤدي هذا التكتم إلى استمرار التحرش لفترة طويلة، وقد تظهر بعض السلوكيات الجديدة لدى الضحية والتي لا تناسب سنه مثل: مص الإصبع، والتبول اللاإرادي، كما تكثر الأحلام المزعجة والكوابيس يفقد القدرة على التركيز في الدراسة؛ مما قد يؤدي إلى تدني مستواه الدراسي، وفي بعض الأحيان يقوم بسلوكيات عنيفة قد تشمل الاعتداء الجسدي وربما الجنسي على الأخرين وهو ما يعرف بدائرة العنف، إذ يتحول الضحية إلى جاني ويقوم بالتحرش بمن هم أصغر منه سنا. ويعتبر علماء النفس التحرش الجنسي بالأطفال من العوامل التي تزيد من احتمال إصابة الضحية بالعديد من الأمراض النفسية مثل: القلق، والاكتئاب، والإدمان على الكحول، والمخدرات، وبعض إضطرابات الشخصية، وفقدان القدرة على تكوين علاقات أسرية ناجحة.
و ختامًا، يجب أن يقوم الوالدان بنشر الثقافة الجنسية لدى الأطفال بالتعاون مع المدرسة وتوفير الدعم النفسي في حالة وقوع التحرش ، وكما يجب على الجهات المسؤولة سن القوانين الجنائية التي تعاقب المتحرش بطريقة مناسب لحجم هذه الجريمة الشنعاء.