الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
من عاش ظلمة الجهل ولأوائه، أدرك قيمة العلم وعليائه ، فالعلم في هذا العصر، بل وفي كل العصور، هو رمز التقدم والحضارة، وبه تقاس الأمم، وهو اليوم سلاح أشد مضاءً وتأثيراً، يمكن تغيير العالم به في كل مجالاته، كالطب والهندسة والتكنولوجيا والذرة، وصناعة الأسلحة بأنواعها، وكافة مستلزمات الحياة من الإبرة إلى كل ما يخطر على عقل بشر، إلا ما اختصه الله عزّ وجل لنفسه، والدول الصناعية الكبرى لم توجد بصفتها هذه فجأة أو من فراغ، بل ربما كانوا أجهل الأمم، لكنهم علموا شعوبهم، وبذلوا من أجل ذلك الغالي والنفيس، فاخذوا بيد العلماء والمبدعين والمخترعين وسخروا كافة الإمكانيات حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم .
وعندما يقول قائد هذه الأمة والمؤسس لها، في الأيام الأولى من عهده : سنعلّم أبناءنا ولو تحت ظِلِ شجرة، فهو بذلك يرسم منهجاَ وفكراً يستوجب الاهتداء به؛ حتى تنهض الأمة من كبوتها، وتستعيد حضارتها وتاريخها الذي تناوله كبار المؤرخين والجغرافين والباحثين بالدراسة والفحص والتدقيق، فما وجدوا فيه غير شموخ أمة أثرت في الإنسانيه في شتى علوم المعرفة، وتأثرت هي كذلك بحضارات الأمم الأخرى .
نُصبت الخيام على أوتادها على أشكال مختلفة ، وثُبتت سارية العلم العماني في الوسط، وانخرط الرعيل الأول من العمانيين الذين نالوا حظاً ولو يسيرا من التعليم في تدريس أبناء وطنهم، مشمرين ساعد الجدّ، وملبّين داعي الوطن وقائده، كما تمّ استقدام مدرسين من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، ثم بعد ذلك من دول أخرى كتونس ودول أوروبية .
ودارت عجلة التعليم للذكور والإناث على ثلاثة مسارات، المسار الأول، الدراسة النظامية، والمسار الثاني، دراسات محو الأميّة، والمسار الثالث، ما كان يطلق عليه الدراسات الحرة، كلها بذل وعطاء من المدرس، وجدٌ واجتهاد من الطالب، ومتابعة مستمرة من ولي الأمر، وفي الوقت الذي كانت عملية التعليم تمضي قدما، كان بناء المدارس يسير هو الآخر وبالتوازي على نفس الوتيرة .
واليوم وقد مضت السنون وتخرجت أجيال وراء أجيال، حقّ لنا أن نفخر بأنّ لدينا أكثر من ١١٦٦ مدرسة حكومية، متوزعة على الحواضر والبوادي والأرياف، إذ أخذت الدولة على عاتقها نشر مظلة التعليم، على كل ربوع السلطنة، باعتباره حقاً من حقوق المواطنة، وما يزيد النفس فخراً أنّ الهيئات التدريسية أصبحت عمانية ذكوراً وإناثاَ بنسبة تصل إلى حوالي ٩٠ % وفي بعض المواد الدراسية وصلت النسبة إلى ١٠٠ ٪ وهي قفزة نوعية سبقنا بها عدداً من الدول المتقدمة ، وفي المقابل يوجد اليوم مايزيد على ٦٣٦ مدرسة خاصة في السلطنة تعمل تحت اشراف وزارة التربية والتعليم .
وفي مجال محو الأمية وتعليم الكبار، فإنّ السلطنة حققت نجاحاً باهراً اعترفت به المنظمات الدولية، ويؤمل بحلول ٢٠٢٤م، القضاء على الأمية في عمان .
وإذا كان هذا هو حال التعليم العام، فالتعليم الجامعي شقّ طريقه بشكل مبهر، وضح ذلك من خلال ابتعاث الطلبة العمانيين للدراسة في دول العالم المختلفة ليعودوا حاملين سلاح العلم والمعرفة، وفي عام ١٩٨٦م، تم إنشاء جامعة السلطان قابوس، لتحتضن عدداً من أبناء عمان، كما أنشئت العديد من الكليات التخصصية سواءً من قبل وزارة التعليم العالي أو وزارة القوى العاملة، وقد تمّ ضم هذه الكليات إلى جامعة واحدة، والتعليم في الجامعتين مجاناً على نفقة الدولة.
وبدعم سخي من الدولة، تم إنشاء ست جامعات خاصة الى جانب الكليات الخاصة والجامعات الاجنبيه، وبذلك تعددت وتنوعت فرص التخصص العلمي، ومع ذلك لم تنقطع البعثات الخارجية سواءً لنيل درجة البكالوريوس أ الماجستير أو الدكتوراة خاصة في التخصصات النادرة أو التي تحتاجها جوانب النهضة والتطور في الدولة .
وبعد خمسين عاماً من العمل الجادّ والجهد المثمر، أصبح شباب وشابات عمان يحملون أرفع وأعلى الشهادات في كافة صنوف المعرفة، بل أصبح لدينا مبدعين ومبتكرين في مجالات عدة نباهي بهم العالم، والقادم أفضل بإذن الله في عهد مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله .
وإذا كنا قد سلّمنا وآمنا بأنّ التعليم أحد مكتسبات النهضة المباركة، فإنّ هذا القول لا يمنع من القول بضرورة تصحيح المسارات في قافلة التعليم، فالمعرفة بالذات تتطور في موضوعها وأساليبها وأدواتها ، فمن هنا لا بد من مراجعة وتقييم شامل لمنظومة التعليم لما للتعليم من دور خلّاق في رقي وتقدم الأمم، ولكنّ هذه المراجعة والتقييم، كما أن العلم والمعرفة يتطوران يوماً عن يوم، فلا بدّ من الأخذ بكل جديد، ويجب أن تتولى قيادته جهة محايدة بهدف الوصول إلى المعوقات الحقيقية والحلول الناجعة، فإنّ وزارة رافضة الاعتراف بوجود قصور أو أخطاء، وغير قادرة على مدى عشر سنوات على حل أبسط مشكلة تواجه ابناءنا الطلبة والطالبات، بالقطع لن تكون قادرة على حل ما هو صعب ولن تتمتع بالحياد، ولقد اقترحت في وقت سابق أن يتولى مجلس الدولة تنظيم ندوة لمناقشة واقع التعليم المعوقات والحلول، وأرجو أن يُصار إلى ذلك، وإلا فإن المشكلة ستتفاقم ليصعب حلها فيما بعد .