الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
حددت المادة “٦” من النظام الأساسي للدولة، آليّة وكيفية انتقال الحكم في حالة شغور منصب السلطان، والتي تنص على أن “يقوم مجلس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد، قام مجلس الدفاع مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه، بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة “
ثم جاء المرسوم السلطاني رقم ١٠٥ / ٩٦ بشأن مجلس الدفاع، وفصّل في المادة الثانية منه الصلاحيات والإجراءات الواجب اتباعها في مثل هذه الحالة .
ومع بداية الأزمة الصحية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه، في عام ٢٠١٣م، وسفره إلى ألمانيا الاتحادية للعلاج، بدأت التكهنات والتخمينات بل والتخريصات بشأن خلافة السلطان الراحل، وأذكر وقتها أن إحدى القنوات الفضائية المصرية، اتصلت بي، وأجرت معي حواراً مباشراً حول هذه المسألة، وكان محور إجابتي اعتماداً مما سلف ذكره، مع التأكيد على أن البلد بها مؤسسات قادرة على التعاطي في حالة حصول الشغور، وأن ليس هناك ما يدعو للقلق من هذه الناحية .
في عمان ليس هناك شيءٌ متروكٌ للصدفة، ولعمان في هذا الشأن إرثٌ خاص ومستقل منذ عشرات السنين، متأصل مع جذور نشأة الدولة العمانية الضارب في عممق التاريخ، وليس حادثاً ظهر مع ناشئات وطارئات بعض الدول الناتئة الكرتونية.
وبحلول عام ٢٠١٩م كثرت تلك التكهنات والتخمينات، واشتغل الذباب الالكتروني معروف المصدر والهوية، واستُقدمت أبواق المال الفاسد، وطبول الرذيلة، لإطلاق الشائعات وخصوصا قبل وبعد سفر جلالته رحمه الله إلى بلجيكا، فتارة بإطلاق خبر وفاته، لدرجة أنّ أحدهم زعم موته، وانه موجود في ثلاجة الموتى، وكأني بهم يستحضرون ما فعلوه بأبيهم، حين وضعوه في ثلاجة الموتى أسابيع، ثم تارة بإثارة الرأي العام عن وجود خلاف ونزاع بين أفراد الأسرة المالكة، كلُ ذلك بقصد ضرب الوحدة الوطنية وفتّ عضدها، ولكن هيهات هيهات، فقد كان الشعب العماني بجميع شرائحه بالمرصاد لهذه السخافات والأكاذيب ، فعمان لا تهزها العواصف وقد استمدت شموخها وقوتها من الجبل الاخضر وشمس وسمحان، إنما يمكرون مكراً والله خير الماكرين .
بعد اعلان نعي وفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور رحمه الله برحمته الواسعة، اضطلع أعضاء مجلس الدفاع المخلصين الأوفياء الأمناء على العهد، فتمّ دعوة مجلس العائلة المالكة الكريمة للاجتماع، وفقاً لما نصّ عليه النظام الاساسي للدولة، وجاء الجواب من مجلس العائلة صريحاً مدوياَ يرسل رسالة لكل من به صمم أو عمىً او نازعته نوازع الشيطان، مفاده أنّ اسرة عريقة في الحكم عمرها ما يزيد على مئتين وستة وسبعين عاماً لم تعرف ولن تفتح للشقاق والنزاع والخلاف باباً، ولدى كل عضو من أعضائها من الحكمة والرشد ما يكفي لسياسة وقيادة عالم بأسره.
عبّر عن هذه الحكمة صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد الموقر، أثناء الاجتماع المشترك مع مجلس الدفاع، إذ أعلن سموه بأنّ الاسرة المالكة الكريمة أجمعت على اختيار من أشار به السلطان الراحل، وفاءً وثناءً وعرفاناً لجلالته، الذي اقام نهضة راسخة البنيان، وبناءً على ذلك تم فتح الرسالة، وكما يفعل المؤمنون بأنّ الرسالة الكريمة قد بدأها السلطان الراحل بالآية الكريمة ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ) ، ثم ختمها بعدما أشار فيها بتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم، كذلك بآية كريمة (ولا تنازعو فتفشلوا فتذهب ريحكم) ، لا والله أيها الحيّ في قلوبنا، إن القوم لم ولن يتنازعوا ولن يفشلوا ولن تذهب ريحهم، فقد غلّبوا مصلحة عمان الغالية ومصلحة الأمة ومصلحة الأسرة وكانوا عند حُسن الظن بهم .
أربع ساعات فقط كانت كفيلة بأن تصل رسالة عمان إلى العالم أجمع، مفادها، أنّ العمانيين من نسيج واحد، قبلتهم عمان ومحرابهم مصلحة الدولة العمانية والشعب العماني، جيناتهم واحدة لا يصدر عنها إلا ما هو طيب، وإنك ياقابوس وإذ أشرتَ، وكما أمّلتَ، فلا قول بعد قولك، ونقول جميعاً سمعاً وطاعة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان ورمزها وقائدها وولي أمرها .