الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
الرجال إذا قالوا فعلوا، وإذا وعدوا أوفوا، فما بالك إذا كان هؤلاء الرجال عظماء الأصل والفصل والنسل والطبع، كسلاطين عمان، الذي ينحدر من سلالتهم جلالة السلطان الهيثم المعظم، والذي بدت أفعاله تتحقق، لتتجاوز حتى أقواله، ففي بيانه التاريخي اعلن جلالته عن عزمه على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، الذي وصفته في المقال السابق، بأنه بات عبئاً على نفسه، ومن يكون هكذا حاله، فمن المؤكد أنه عبء على غيره، كالأبكم الذي لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه، أينما يوجّهه لا يأت بخير .
لم تمض إلا بضعة شهور، حتى صدرت المراسيم السامية المتضمنة لإعادة هيكلة الجهاز الاداري للدولة، وقد اتسمت هذه الإعادة على عدة خصائص تولد روحاً جديدة في هذا الجهاز، ففي البداية تمّ إلغاء العديد من المجالس المتخصصة المعطلة لديناميكية العمل الحكومي، ولتعقيده بالروتين الإداري ، ولإطالة الإجراءات لصعوبة اجتماعاتها بسبب عضوية الوزراء في عدد منها، وبالتالي عدم اتساق أوقاتهم ، ناهيك عن الازدواجية في العمل، ولشلّ يد مجلس الوزراء عن ممارسة مهامه الفعلية، ومن هذه المجالس التي تمّ إلغاؤها، المجلس الأعلى للتخطيط، ومجلس النفط والغاز، ومجلس التعليم، ومجلس الخدمة المدنية .
جاءت إعادة الهيكلة ملبية لمناشدات بعض العارفين بالعمل الإداري، بضرورة إلغاء بعض الهيئات العامة، أو ضم بعضها إلى بعض، نظراً لكثرتها المفرطة وازدواجيتها في الاختصاصات، مع وجود وزارات تمارس ذات العمل أو جزءاً منه، كما هو حال مثلا ؛ الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ظل وجود وزارة للإعلام، والهيئات العامة التي جمعت في هيئة الخدمات العامة .
أما فيما يتعلق بالوزارات، فقد تمّ الغاء بعض الوزارات كوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، فيما دمجت الوزارات المتجانسة او القريبة من بعضها البعض؛ الأمر الذي أدى إلى تقليص عددها عما كانت عليه سابقاً، وهذا أيضاَ يؤدي إلى تخفيض الضغط على الموازنة العامة .
ولم يقتصر التجديد والتغيير على الكيانات الإدارية ، بل طال الأمر تغييراً في أشخاص العديد من الوزراء ورؤساء الوحدات الإدارية الأخرى، بهدف ضخ دماء جديدة في الجهاز الإداري للدولة من أصحاب الاختصاص، كلٌ في موقعه المناسب، مع الإبقاء على بعض الوزراء السابقين ممن تحتاجهم المرحلة ولو مؤقتاً .
وهنا لا بد لنا من كلمة نقولها، في شقّين، الأول، هو ثقة جلالة السلطان المعظم في هذا التشكيل الجديد، ليحدث فارقاً إيجابياً وملموساً في عملية التنمية التي يتطلع إليها العهد السعيد وكافة المواطنين في شتى ميادين الحياة، ونرجو أن يكون أولئك الذين عهد إليهم سلطان البلاد عملية اختيار المسؤولين الجدد قد وضعوا نصب أعينهم المصالح العليا للوطن، ونحن نربأ بهذا الفريق عن أية اعتبارات أخرى، تكون خاسرة، كالمعارف الشخصية، والانتماءات القبلية أو المناطقية، فمع الاحترام والإجلال والتقدير للجميع، فإنّ المرحلة لا تحتمل أية مجاملات أو مداهنات، أو التصفيق كما في قاعة محكمة الإغلاق ، ولهذا فعلى الذين تمّ اختيارهم وزراء ووكلاء ورؤساء وحدات إدارية أخرى، أن يُحسنوا في عملهم، وأن يًخلصوا لبلدهم وسلطانهم وشعبهم، وليعلموا بأنّ الكراسي التي يجلسون عليها الآن قد جلس عليها قبلهم آخرون وسيجلس عليها غيرهم بعدهم، وليكونوا عند حسن ظن القائد الذي منحهم الثقة، والشعب الذي يأمل فيهم الخير إن شاء الله ، .
والشق الثاني، يتعلق بنا كمواطنين، إذ علينا أن نحسن الظنّ في هؤلاء المسؤولين، وأن نتوقف قليلاً عن التشكيك والنقد غير المبرر، وعلينا أيضاً أن نعطيهم الوقت الكافي ، فعملية الإصلاح والتغيير تحتاج إلى وقت وصبر، فمن غير المقبول والمعقول الحكم عليهم بعد شهر أو شهرين أو حتى سنة، فقد تتطلب عملية التغيير، تعديل القوانين أو اللوائح، واستبدال آليات العمل، والمداورة بين الموظفين وخلافة، لكن أعتقد أنّ مضي سنتين دون ظهور أية بوادر على أرض الواقع مدة كافية لإظهار هذا المسؤول أو ذاك لقدراته وإمكانياته، وهي أيضاً فترة معقولة للمحاسبة .
عمان اليوم أحوج ما تكون إلينا لرص الصفوف والجد والاجتهاد، والعمل بإخلاص وتفانٍ، سلطاننا يقود بإرادة صلبة وهمة عالية، وعمل دؤوب، واطلاع مباشر على معطيات الأمور، لنوفي حق عمان علينا، ولنؤمن جميعاً بأننا شركاء في الوطن، دون تعالٍ من مسؤول، أو هروب عن المسؤولية الوطنية من أيٍ فرد يعيش على هذه الأرض النقية الطاهرة عمان.