الصحوة – محمد بن سعيد القري
الحديث عن نظام البصمة المعمول به في المؤسسات الحكومية موضوع قد يراه الكثيرون موضوع لا يرق للتطرق إليه لا في مقال ولا في أي مناسبة؛ لأن هنالك موضوعات أكبر وأجدر أن تناقش، مثل الإنتاجية، والجودة، وترسيخ المبادئ التي ترفع مستوى الرضا لدى الموظفين وقدرة المعنيين على التقدم والتطور والاستفادة القصوى من الموارد المالية منها والبشرية ومواكبة المستجد والتكامل في الخدمات المقدمة وغيرها الكثير.
وجهازُ البصمةِ، من يجده منظما لحركة الموظف، ومن يراه مزعجًا ومحط عدم الثقة، وتختلف الآراء ووجهات النظر حوله.
تحدثت مع أحد الموظفين، فقلت له: لماذا يُطبق نظام البصمة على الموظفين الصغار أمثالنا، ولا يطبق لغيرنا؟ فرد علي قائلا: لأن القياديين وصلوا إلى هذا المستوى بسبب انضباطهم في العمل سابقا!.. قلت له: إذن لماذا أرى وأسمع أن بعضا منهم يتأخرون عن مقار عملهم بالساعات؟ بل يحدث أن يصل بعضهم متأخرا، ويخرج قبل الجميع، فما مبرر ذلك؟ قال لي: عُرف سائد، قلت له: أي عرف هذا الذي يجعل المسؤول غير مسؤول! وكنوع من الموضوعية قلت: ولكني رأيت بعضهم أيضا يأتي مبكرا، ويغادر متأخرا، حتى أصبحوا مثالا وقدوة حسنة لموظفيهم. ثم تساءلت لماذا لا يطبق نظام البصمة على الجميع، أليس ذلك أدعى لأن يلتزم “الجميع” بساعات الحضور والانصراف على الأقل؟ قال لي: لا تتعب تفكيرك بهذه الأمور،الكل مستفيد من هذا الموضوع، حتى أنت..!
وكان أن طرحت نفس الموضوع على أحد الأصدقاء الذين يشغلون منصب مدير، وقلت له كعادتي البسيطة والبريئة وحسن نية، وأيضا كنوع من المداعبة، مع حساب أي ردة فعل، فقلت له: ماذا لو عملتم في مؤسستكم تجربة تطُبيق نظام البصمة لمدة عام واحد فقط على الجميع، كدراسة من أجل معرفة هل سيؤثر ذلك على جودة العمل ونسب حضور وانصراف الموظفين الآخرين أم لا، فقال: من تقصد بالجميع؟ قلت له حتى أنت كونك مدير، فصاح في وجهي الصغير، ما هذا الحسد!… وكان المراد الحقيقي لهذا المقترح هو دراسة الحالة بحكم أن البحث عن السبب هو باتباع المنهج العلمي الصحيح، حتى في مسائل تغيير السلوكيات وتغييرها للأفضل. ومرة سألت أحد الموظفين متعمدا وبشكل مباشر من أجل أن أعرف ردة فعله، لماذا تتأخر عن العمل؟ فغضب علي ورد بشيء من الهجوم، “لا دخل لك بهذا، ثم إذا بعض المديرين يتأخرون كيف تريدني أنا الموظف أن ألتزم”؟!
و قال أحدهم، ليلغوا البصمة عن الجميع، ويطبقوا نظاما آخر يتجسد فيه الهدف..
ولا أعرف مرد ذلك العُرف، أو تفسير أن يُجبر الموظفون الصغار على أن يستخدموا نظام البصمة ولا يجري ذلك على غيرهم بحجة أنه عُرف، وأي عرف يناقض مبادئ كالاقتداء الحسن بين المسؤولين ومرؤسيهم! وحتى لا أظلم أحدا ربما توجد مبررات ولكني لم أجد معطيات الجواب حتى الآن، فقط مبررات لم تدخل العقل.
إن تفاني القياديين الفعليين في الالتزام، والانضباط، وحسهم الوظيفي المسؤول، وأمانتهم ورقابتهم الذاتية، وخوفهم من ظلم أنفسهم قبل كل شيءٍ، قد ينهار عندما يأتي من هم في مستواهم بسلوك مخالف، بحكم استغلال صلاحياتهم ليفعلوا ما يريدون حسب هواهم وفكرهم التقليدي.
من وجهة نظري البسيطة حتى صغار الأمور لها مردود جيد وتغيير سلوكي حسن، فلا ينبغي أن نستهين بها، وهي مرحلة تنظيمية تعقبها بالتدريج مراحل أكثر أهمية وركائز أساسية، لتكون المنظومة متكاملة في أدق تفاصيلها.