الصحوة – أحمد بن إبراهيم النقبي
مر عام والقلب لم يغادره الوجع على رحيل مجدد المجد وقدم السعد لهذا الوطن العظيم. قابوس رحمة الله المهداة لعمان وأهلها وقبس النور الذي أضاء عمان من أقصاها إلى أقصاها بعدما كستها ظلمة العزلة والانكفاء.
بذل عمره لهذا الوطن وشعبه فسرى حبّة في قلوبهم وأفئدتهم بل جرى في شرايينهم كالدم في العروق فكان بحق نبض القلوب وفكر العقول ومحقق للآمال وبلسم للآلام وملجأ للعاني وأباً لليتيم وسنداً للمحتاج وعوناً للغريب قبل القريب.
رحل مرفأ السلام وواحة الأمان ومنصف المظلوم رحل عن الدنيا جسداً وبقي روحاً خالداً. كيف لمثله أن ينسى وكل حجر ومدر يذكرنا به وكل شبراً من أرض بلادي التي ذرعها طولاً وعرضاً وافترش ترابها والتحف سماءها وعبر صحاريها ووديانها وجبالها وأبحرها وحمل آمال وتطلعات أهلها بعد سنين عجاف فأعقبها بفضل من الله ومنّة وبجد واجتهاد وإخلاص أعوام سمان تحقق فيها لعمان وإنسانها الرفاه وتبوأت به مكانتها اللائقة بها وبمجدها التليد.
عام مضى منذ أن رحل وكأن الدنيا كلها رحلت معه فكان هذا العام ثقيلاً كئيباً ضاق به الناس وضاقت بهم الأحوال وتقطعت بهم السبل وكأن الدنيا أشاحت بوجهها وأدارت لنا ظهرها برحيله عنها، لا زلنا نتذكر حزن السماء وبكاء الغيوم يوم رحيله الذي أورثنا حزن لا فكاك منه ولولا إيماننا بأن لكل أجل كتاب وبأن كل من عليها فانٍ واستسلامنا لتقدير العزيز المنّان لرفضنا هذا الرحيل وسخطنا على هذا القدر.
إنا لله وإنا إليه راجعون فنحن لله عابدون وبقدره وقضاءه مؤمنون وهذا ما يمنحنا الصبر وعلى القلب كل المصائب تهون.
رحلت يا حبيب عمان وسلطانها وبكتك الأمة كلّها فالله الذي أهداك لعمان امتحن صبر أهلها ببلاء رحيلك، اللهم ألهمنا صبراً بقدر عظم المصاب وأكرم كريم أكرم عبادك وهو الآن نازل ببابك نشهدك يا الله بأنه أحسن إلينا ومات ونحن راضون عنه فأرضى عنه وأرضه وأجزه عنا خير الجزاء، وبارك لنا الله فيمن أوصى به لنا وَوَصَّاهُ علينا ليكمل المسيرة ويواصل العطاء وأمدّه بعونك وارزق عمان وأهلها من واسع فضلك ورحمتك وعظيم لطفك وإحسانك إن سميع مجيب.