الصحوة – خالصة العوفية
المعرفة والثقافة سلاحان يتسلح بهما عقل الانسان، والتجارب ستكون خير دليل على نضجهما في التعاطي مع الآخرين، ولا شك أن التخطيط هو أداة مهمة يستخدمها الإنسان في تسيير شؤون حياته مقروناً بالمعرفة والثقافة الكافية ليستطيع أن يواكب مقتضيات الأمور ليصل للأهداف المرجوة بناءً على الحصيلة المتراكمة من التجارب الشخصية والمعارف المتعددة.
تتفاوت العقول البشرية في نمط التفكير وكيفية تحليل الأفكار لتظهر سلوكاً معيناً، حيث أن الخصائص العقلية والخصائص الفيزيائية وكذلك الألفاظ المستخدمة في التفسيرات والأوصاف العقلية تكون متلازمة لإظهار مدى التخطيط، وإن كانت الخصائص اللافيزيائية كالرغبات والعواطف والمعتقدات تظهر في مرحلة التخطيط، إلا أن المنطق وهي ما تعنى به الخصائص العقلية سيظهر مفهوم التخطيط السليم، لذلك فإن المعرفة والتجارب هما أساس التخطيط السليم يتبعه تنفيذ قويم يتماشى مع الأهداف طويلة الأمد من خلال النظرة المستقبلية المدروسة. فتخطيط بلا تنفيذ إهدار، وتنفيذ بلا تخطيط دمار.
نحن بارعون في جميع فنون التنظير، لا تنقصنا المعرفة، ولا تنقص المعنيين بشؤون أمر ما التجارب، ولكن التطبيق حاد دون المسار المأمول، الأدوات الأساسية لقطاع مهم كالسياحة والذي يمثل دخلاً وطنياً لكثير من الدول هي البنية الأساسية، المقومات السياحية الطبيعية، توفر الأمن والأمان والموقع الجيوسياسي، فرص الاستثمار وسلاسة وكفاءة الاجراءات الحكومية، التنوع الثقافي في المجتمع من التاريخ،اللغات واللهجات،العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة، وكذلك القيم الانسانية، كل هذه الأدوات ستكون ركائز أساسية لصناعة السياحة، فهل أخذ المعنيون بقطاع السياحة بعين الإعتبار لهذه المقومات عند وضع الركائز ليكون هذا القطاع قطاعاً خصباً في تنمية الاقتصاد الوطني؟
لا شك أننا لو نظرنا لجميع تلك المقومات لوجدنا أن السلطنة لها من التاريخ ما يجعل السياحة الثقافية بكافة تفاصيلها حاضرة في جميع مناطق السلطنة، فتعاقب الحضارات أوجد إرثاً حضارياً وثقافياً عالمياً معتمداً وموثقاً الكثير منه لدى منظمة اليونسكو، فما الذي يجعل من قلعة “بهلا” والتي ضمت في قائمة التراث العالمي عام 1987م مزاراً سياحياً يضاهي قلعة ” كرونبورغ” الدنماركية والتي ضمت في قائمة التراث العالمي عام 2000م؟ كيف يمكن أن يستغل سور بهلا المصنف كأحد أطول الأسوار في العالم كمزاراً يجذب السياحة الثقافية كسور الصين العظيم؟ كيف يمكن أن تكون مدافن “بات” في ولاية عبري موقعاً سياحياً بارزاً يتوافد إليه السياح المهتمين بالسياحة الثقافية حاله كحال الكثير من المواقع الأثرية العالمية كالمقابر الفرعونية في مدينة الأقصر المصرية؟
ماذا عن السياحة الترفيهية؟ كيف يمكن الاستفادة من المقومات الطبيعية وتباين الطقس في الاستثمار الأمثل في خلق سياحة داخلية وخارجية؟ ربما الكثير من الأسر أو الشباب لا تزال لديهم قناعة بأن السياحة الداخلية لم تصل للحد المناسب في القيام بجولات سياحية داخلية لافتقار الكثير من المواقع للخدمات الأساسية ، فما الذي يجعل الزائر لمحمية السلاحف برأس جينز شغوفاً بزيارة المتحف هناك؟ وما الذي يمنع من وجود مطاعم أو مقاهي سياحية في رأس الحد يقصدها الزائر بعد أن قطع مسافة بعيدة من ولاية صور؟ كم يمكن أن تستغل الشواطئ الطويلة والأودية الجميلة والرمال الذهبية والقرى الهادئة والجبال الشاهقة ؟
أنا على يقين بأن القائمين على هذا القطاع لديهم من المعرفة ما يفوق معارفنا ودراياتنا بها وبالكثير من خصائصها ومقومات كلٍ منها ، ولديهم من الإدراك والحرص بأهمية هذا القطاع كمجال حيوي استراتيجي شأن كل غيور على كل ما تتمتع به بلادنا من مقومات وامكانيات سياحية ، ولكن التطبيق هو ما ينقص النظريات والدراسات والبحوث، فصناعة السياحة علم تبوأ مراكز هامة ومتقدمة في كثير من الدول، وأصبح الاستثمار والتسويق متلازمان لهكذا قطاع يفتح آفاق تنموية واقتصادية، فالمجمعات التجارية وأماكن الترفيه والمعارض والمتاحف والمنتزهات سيكون لها دور في إنعاش السوق ودورة الإقتصاد كاملة ، كذلك التسهيلات الحكومية التي ستقدم للشركات السياحية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة سيكون لها الدعم الفاعل في الاستثمار الحقيقي لهذا القطاع.
إن تجارب الدول في قطاع السياحة كثيرة، ولو نظرنا لبعض تلك الدول فإن المقومات السياحية الطبيعية قد تكون معدومة، ولكن استطاعوا صنع سياحة من خلال مناشط ومعارض ترفيهية ومنتجعات وفنادق تجذب السياح، فمدينة لاس فيغاس في الولايات المتحدة الأمريكية يصل عدد زوارها سنوياً أكثر من 37 مليون زائر وهي مدينة ليس بها مقومات طبيعية أو سياحية، وكذلك الحال في مدينة شرم الشيخ المصرية والتي يصل عدد زوارها سنوياً أكثر من 12 مليون زائر، والتي تعتمد على السياحة الترفيهية بالمنتجعات واستغلال الشواطئ، ماذا لو كان هناك سوقاً شعبياً تعرض فيه المنتجات الزراعية والحرف التقليدية وبه مقاهي ومطاعم سياحية في عدة مناطق سياحية كالجبل الأخضر مثلا؟ ماذا لو كانت هناك مناشط ترفيهية تستغل منها الجبال في مشروع القاطرة المعلقة ” تلفريك”؟ ماذا لو كانت هناك مدن ترفيهية كالحدائق المائية وحدائق الحيوانات ومدن الألعاب المختصة؟
تكاتف القطاعات المختلفة سواءً كانت الحكومية أو الخاصة لهذا القطاع سيسهل الاستثمار ويفتح آفاق أكبر في التنمية الشاملة، وسيحل مشاكل مختلفة كمشكلة الباحثين عن عمل، وسيدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث أن صناعة السياحة ستجعل من قاطني هذه المدن أداة عيش لهم، بل إنها ستوجد لهم ثقافات متعددة من خلال اختلاطهم بالسياح الأجانب، وبالتالي ستفتح لهم فرص وظيفية، الجهود تبذل ولكن سقف الطموح لا يقتصر على ما هو موجود حالياً، والجدية في صب كافة الجهود في هذا القطاع مطلب ملِح.