الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
يعود في المساء من عمله بعد يوم شاق ، يتناول عشائه بسرعة ثم ينزوي في غرفة المكتب متحججا بأنهاء بعض الأعمال بينما تذاكر زوجته الواجبات المدرسية لطفليهما ، يدخل المواقع التي إعتاد على دخولها بحثا عن الشهوة والإثارة العابرة ، يقضي بعض الوقت متنقلا بين تلك المواقع لكن بعد أن يفرغ شهوته ينتابه شعور كبير بالإثم ، لكنه ينسى ذلك الشعور في اليوم التالي فور عودته من عمله. جاء للاستشارة لانه أصبح يشعر بالحزن والقلق و بتقلبات المزاج ، يتجنب التجمعات الأسرية ، يشعر بالخوف من أن يؤثر إدمانه لتلك المواقع على حياته، أخبرني أن تلك العادة السيئة ليست إلا طريقة مبتذله – كما يسميها – للتعامل مع ضغوطات العمل ، هي أيضا حسب قوله ” وسيلة للحصول على الدوبامين الرخيص ” ، كان سعيدا عندما ساعدته أدوية القلق والعلاج السلوكي على التخلص من تلك العادة حتى أنه أوشك أن يقتنع بأنها عالجت إدمانه للمواقع بشكل مباشر لكني شرحت له بأنها خففت من مشاعر التوتر والقلق الذي صاحبت ضغوطات العمل فلم يعد بحاجة إلى تلك العادة السيئة ليريح أعصابه ، بمعنى آخر أعطاه الدواء تعويضا عن الدوبامين الرخيص الذي صاحب إدمانه لتلك المواقع.
تحدثنا في مقال سابق عن هرمونات السعادة و كيف أن بعض المحفزات الخارجية تمنحنا ذلك الشعور الجميل بالراحة والاسترخاء عندما تحفز مناطق معينة في دماغنا ، ذكرنا دور كل من الدوبامين والأكسيتوسين والسيراتونين في كيمياء السعادة لكن أود أن أختص بالذكر في مقال اليوم الدوبامين لما له من أهمية قصوى على بعض وظائف الدماغ مثل المزاج، والنوم، والمذاكرة، والتركيز، والتعلم، لذا قد يؤدّي نقصه للإصابة بأمراض معينة، مثل الشلل الرعاشي ” الباركنسون” ، والاكتئاب ، كما يرتبط الدوبامين داخل الدماغ بالتحفيز والمكافأة التي نتوقع الحصول عليها، تفرزه خلايا الدماغ عند توقُّع المكافآت مثل الفوز بجائزة ما أو الحصول على ترقية أو تقدير في العمل ، لذا نجد بعض المحبطين يلجأون الى المخدرات للوصول الى ذلك الشعور الذي لا يتوفر لديهم خلال حياتهم اليومية لكن الخطر يكمن في أن تعاطي المخدرات يؤثرعلى مستويات الدوبامين و يقلل من قدرة المستقبلات العصبية التي تستقبله لذا نجد المدمن يحتاج الى جرعات عالية من المخدر للوصول الى النشوة ، وهنا تكمن المشكلة في السلوك الادماني بشكل عام ، وكأن الدماغ يقول ” هل من مزيد؟” لذا نجد البعض يدمن التسوق ، البعض الاخر يدمن تناول الطعام أوممارسة الرياضات العنيفة أو العلاقات العاطفية حتى يخرج الامر على السيطرة و يشعر الفرد بالخواء والوحدة إذا ما إنقطعت مصادر إدمانه تلك.
و لا تقتصر مصادر الدوبامين على المخدرات فالدراسات الحديثة تشير بأن مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في رفع مستويات الدوبامين عن طريق تحفيزنا لتصفح تلك المواقع و ترقب الأخبار أو الرسائل في تطبيقات الدردشة ، بل إن الأمر وصل إلى الغذاء، حيث أصدر الطاهي الإنجليزي توم كيريدج عام ٢٠٢٠ كتاب “حمية الدوبامين”، وهو نظام غذائي لفقدان الوزن يعتمد على تعزيز الحالة المزاجية وزيادة مستويات “هرمون السعادة” من خلال أغذية غنية بالبروتين وأوميجا-3 والتخلي عن الكربوهيدرات والكافيين والسكر، مع ممارسة الرياضة وخاصة اليوغا، الهدف الأساسي الجمع بين التأثير في مراكز المتعة و إنقاص الوزن.
بقي أن نقول بأن وعى الفرد بمواطن القلق والضغوطات النفسية لدين والعمل على التعامل معها بصورة صحيحة من شأنه أن يجنبه الدخول في سلوكيات غير صحية تؤدي به إلى الحضيض.