الصحوة – سارا موسى
صوت الإمام وهو يكبّر الأولى، فالثانية.. ثم ثالثة يتبعها شهيقٌ وبكاء.. ودعواتٌ تعلو وتنخفض..
كان هذا اللقاء الأخير بك في العاشر من يناير ٢٠٢٠ ، والوداع الأخير أيضاً..
ترتفعُ الأصوات.. ويكثر البكاء.. وفي بالي،
صورتك.. منذ دقائق المعرفة الأولى وعند نشيد السلطاني قابوس جاء، وحتى لقاء التلفزيون الأخير بك، قبل غفوتك بأسابيع . أسبوع او عدةكنت فيه الأوفر صحةً، ممتلئة بالعافية والحياة.. انصرفت بعده على وعدٍ بلقاء.. قريب.. لم يصدق..!
أفيقُ صباح الجمعة على رسالةٍ مفجعة.. مفجعة بكل ما يعنيه فقدك من معنى، وحد حبسها للدموع، فلم تنطلق، إلا
حين وقفتُ على باب أمي.. أردد بذهول: السلطان قابوس مات..!
ثم انفجر بركان الدموع، وما توقفَ، وزاده ضجيج المسجد، حتى الأطفال فيه يبكون.. يبكونك كما نفعل..!
رحلت.. تاركاً خلفك استفهاماتٍ ذاهلة.. وسؤالاً يتكرر كلما سمعتُ (السلطان مات).. أو (أحسن الله عزائكم)..
هل مات حقاً..؟
هل يمكن لهذه المفردة.. التي نسمعها ونقرؤها ونشاهدها، نعيشها معنا بشكلٍ يومي في نشيد الصباح في طرقات ..
أن تصبح الأقسى،حين تتعلق برحيل سلطاناً كأنت .؟
كيف يرحل الاباء ..؟ وكيف يموتون.؟ شعورٌ مرّ جربته حين غبت.. يحملُ بينه سؤالاتٍ عدّة، كيف نعزّي أحداً في من نُعزّ..؟
اعتدتُ أن أعزّي أشخاصاً فيمن يحبون.. في أهاليهم وإخوتهم، لكن أن أعزّي في الأب والسلطان ، فهذا فوق ما أطيق..!ضجّ المسجدُ.. وفي كل دمعة، رأيت وجهك.. وتهزّني ذاكرةٌ وذكرى.. ولو رحلت أيها الأب الرائع ..
ولو غابت بنا الأيام.. نحتسبك عند الله أيها النقي الطاهر ..
أحسن الله العزاء لذاكرةٍ تتمزق بتفاصيل حملتها سنينُ قيادتك .. ولأماكن كانت لنا فيها ذكرى وحدث..
ارقد بسلامٍ آمناً مطمئناً .. راضياً مرضياً .
لا يرحلُ من نحبّ إلاّ جسداً.. يغيبون.. تنطوي بهم الأيام.. لكنهم أحياء في ضمائرنا، وذاكرتنا.. ذكرى بذكرى. كلما مررنا على الأماكن، وكلما تكررت أمامنا المفردات التي حكيناها عنك .. وفصول الحياة المختلفة..
ستبقى حيّاً .. تمرّ طيفاً جميلاً كل عاماً وكل جمعةٍ..
قبل أن تغربَ شمس يومه، تحصد الدعوات الصادقة..ستبقى حيّاً.. حاضراً ، شمساً لا تغيب.