الصحوة – نورة بنت سيف المالكي
القراءة كما المشي وحيدًا هادئة، وبها شيء من التأمل الرفيع، خفيفة وذات روح مرفرفة، لا سيما أن القراءة في مفهومها عند بعض المفكرين لم تقتصر على الكتب فقط، وإنما قراءة الكون أيضًا. القراءة التي لا تحتكر في معناه النظر في الكتب، وإنما التبصر في أحول البشر والطبيعة والحضارات والمجتمعات … امتثالًا لقول الله تعالى : (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
في ملكوت القراءة تحس بهدنة مع العالم، تخلو بعقلك مع عقل آخر، القراءة ملكة ليس لها فصل معين، ربما قد يتغلب عليها المزاج أحيانًا، وتستدعي نوعًا من الصفاء الذهني غالبًا، إلا أنها قد تعالج المزاج في أوقات اضطرابه عند بعض من يرغبون بتهدئة أنفسهم المتعبة.
يسألني كثير من الناس لماذا تحبين القراءة؟ إنهم يسألونني لماذا أتنفس. وكما قال غوستاف لوبون أن الناس لا تتنفس لمجرد التنفس وإنما لدرء ألم عدم التنفس، ربما في القراءة نستدعي اللذة وإشباع حاجة الفضول والتتبع، وربما لكبح أسئلة يقتلنا إلحاحها، وربما لأن حياة واحدة لا تكفينا مثلما قال العقاد، أو لأنها تمنحنا سرًّا لم نكتشفه بعد، مثل أن نتجنب ألم الجهل والتخلف والجمود، أو أن نحصل على سعادة أو رضا عن أنفسنا. في الحقيقة ليس لدي إجابة معينة، لكنها في المقام الأول: القراءة تشعرني بالرضا عن التقدم المعرفي الذي أجده بعد قراءة كتاب جيد، ولأنها ساعدتني على تجنب ألم الفراغ والوحدة، وأهم من ذلك كله أنا كائن يثيره الفضول وإنسان متسائل دومًا، ولا أكتفي بإجابة واحدة على الأغلب!
أعود بالذاكرة دائمًا حين يتمثل لي الكتاب أمامي، صورة معلمتي للغة الإنجليزية في الثانوية وهي تأتي بكتابها (وعادة باللغة الإنجليزية) وتبدأ في القراءة الصامتة في نهاية الدرس، وإن حدث إزعاج منا، كانت تشير إلى فمها بالصمت، وبالأذن لنسمع أكثر، ثم تقول: ( ألم يخلق الله لنا فمًا واحدًا لنتكلم أقل، وأذنين لنسمع أكثر؟) وأحسب أنها إشارة مجازية، إلى أن نستمتع إلى الكون ببصيرة وتقرأ العالم بالصمت المتسم بالوقار، إنها حكمة معلمتي التي لا أنساها، وعندما أسترجع المشهد (الذي لا تفتأ بتكراره لنا) أحس أنها لوحة فنية رائعة، وقد يكون لإشارتها هذه تحفيزًا للكائن الفضولي المتأمل بدقة إلى عالم القراءة.
لا بأس أن تجرب شيئًا جديدًا من المعرفة، أن تسبح في ملكوت آخر يضيف إلى حياتك، وهو – على الأكثر – إذا لم ينفعك لا يضرك، وأنا أعدك أن القراءة نافعة وجدية وصديق دافئ.