الصحوة – شريفة التوبية
ضحكنا ذات يوم ونحن نشاهد مسرحية ” مراهق في الخمسين” للمبدع عبد الحسين عبد الرضا رحمه الله، مجسّداً حالة الرجل الخمسيني الذي يعيش أزمة ما بعد منتصف العمر، وكيف كان مستعداً للتخلّي عن بيته وعائلته من أجل إشباع نزوات مراهقته المتأخّرة. ربما لم يركّز البعض على الجانب النفسي الذي يعيشه ذلك الرجل الخمسيني، والذي حاولت عائلته إرجاعه إلى جادة الصواب ولم تفلح، لأن الجمهور كان مشغولاً بالضحك على مشاهد الكوميديا السوداء، في تلك المسرحية الرائعة.
تقول عالمة النفس لين مارغوليز “إن بعض الرجال يمرون بما “يشبه تمرّد المراهقين”، وأشدد هنا على كلمة “البعض”، لأن عمر الخمسين كما أراه، يعني النضج والحكمة للكثير من الرجال، لكن هذه الحالات القليلة والقابلة للازدياد، كما أتى في الدراسات النفسية، تكون أشد صعوبة من المراهق العادي الذي من الممكن الجلوس معه واقناعه، لأن المراهق الخمسيني نظراً لما يمر به من تغييرات، تجده يعيش حالة من الوهم الغريب، منساقاً لحالة عاطفية يستعيد فيها شبابه الذي مضى، رافضاً في داخله فكرة أنه كبر في السن، فهذه المراهقة تصبح كالإعصار أو كالزلزال في حياة الأسرة لأنها تُذهب بكل ما تم بنائه خلال سنوات طويلة.
ومثل هذه الحالات تكون عرضه للاستغلال من قبل فتيات صغيرات أو نساء متمرّسات، خبيرات بهذه الحالات، حيث يجدن في هذا المراهق الخمسيني صيداً سهلاً، ويجد هو فيهن إشباعاً ورضى للحالة التي يعيشها، وقد أطلق على مثل هذا الرجل في الغرب ” Sugar Daddy”، لارتفاع هذه الحالات وازديادها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
أما المرأة في هذا العمر فتكون أكثر ميلاً للاستقرار والهدوء، لما تمر به من تغيير هرموني ونفسي، وتصبح أكثر نضجاً وحكمة وتقديراً للأمور، وإن كانت هناك حالات استثناء تشذّ عن القاعدة، وقد تفعل ما يفعله الرجل الخمسيني، فتعيش حالة من “التشبّب” ومحاولة جذب الانتباه، وقد تدمّر بيتها أيضاً بسبب غواية من شاب يصغرها سناً، تجد فيه تعويضاً عاطفياً مفقود، ولا يجد هو فيها أكثر من ” Sugar Mami”.
وفي الغالب لا تأتي تلك التصرفات التي أقل ما توصف إنها طائشة بشكل مفاجئ، بل بعد علاقات متعددة مرّ بها ذلك الشخص، حتى أصبح الأمر إدماناً واعتياداً، وكما يقال “من شبّ على شيء شاب عليه”، فالمرأة التي تظن أن الرجل الذي اعتاد الخيانة أو تعدد العلاقات سيقلع ذات يوم مع تقدّم العمر، وسيتغير بعد انطفاء شعلة الشباب، فهي مخطئة، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً.
إن أصعب مراحل المراهقة، المراهقة المتأخرة، التي تُذهب بكل ما زرعه المرء في حياته، وهي حالة يصعب التعامل معها، ويصعب علاجها، ومثل هذا السلوك المراهِق المخُجِل يصبح “عاراً” على أسرة ملتزمة بقيمها الأخلاقية وتماسكها الأسري، فهي تُذهب بحياء ما تبقى من وقار العمر وهيبته، لرجل خمسيني يحاول اللحاق بالركب، فيسقط في المحطة الأخيرة بجسد عجوز متهالك، وروح متصابية.