الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
ع ، س فتاة في منتصف العشرينات من العمر عادة مؤخرا من دراسة الماجستير في إحدى الجامعات البريطانية ، تخبرني أنها كانت تدرس الطب في إحدى الجامعات الخاصة في سلطنة عمان لكنها مرت بحالة إكتئاب أثرت على مستواها الأكاديمي ، بعد تردد طويل قررت إستشارة إحدى الأخصائيات النفسيات في عيادتها الخاصة لكن رد فعل الأخصائية بعد الاستماع إليها كان محبطا ، تقول ” بعد أن شرحت لها حالتي نظرت إللي ثم قالت ” هذا دلع و دلال ، أنت عالة على المجتمع والمقعد الذي تشغلينه في الكلية من الأولى أن يعطى لطالبة آخرى” و قع كلامها علي مثل الرصاص ، لم أجبها ، خرجت من عيادتها و أنا أسواء مما دخلت ، بقي كلامها يتردد في داخلي ، وشعرت بالذنب و فقدت الثقة بنفسي لفترة طويلة حتى عوضني الله بتخصص جديد تمكنت من دراسته والإبداع فيه ،لكني لن أنسى كلمات تلك الأخصائية”.
كثيرا ما نعلق على تصرفات الآخرين من حولنا و نقول أشياء دون أن نعي تأثير تلك الكلمات على المستمع ، قد يكون الأمر بالنسبة لنا مجرد وجهة نظر و أن المستمع عليه أن يخشوشن و يتقبل نقد الآخرين لكن هل نحن على دراية تامة بالظروف التي يعيشها قبل أن نتكلم ؟ وهل مررنا بنفس التجارب لنقول رأينا بكل ثقة ؟ الجواب غالبا لا ، لذلك علينا التأني قبل التحدث خاصة إذا كان الشخص الأخر يعتبر وجهة نظرنا مهمة و ينتظر منا النصح والإرشاد ، هنا يجب أن نتذكر الحديث النبوي الشريف ” من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو ليصمت” ، فالصمت أفضل من أن تتفوه بما لا تعرفه.
عادة ما يذهب الأشخاص للاستشارة النفسية بحثا عن حلول أو توجية للمشاكل التي يعانون منها لذا يجب أن يلتزم المعالج الحياد ويتجنب فرض قناعاته و معتقداته الشخصية على المريض ، وليتذكر أن بعض الأشخاص يعانون من فقدان الثقة بالنفس وقد ينساقون وراء آراء المعالج النفسي حتى وإن لم تكن تناسبهم ، وليتذكر المعالج أن هدفه الرئيسي إكتشاف كيف يمكن أن يقوم المريض بمساعدة نفسة تحت توجية وإشراف المعالج ، فالمريض أدرى من غيره بالأشخاص الذين يتعامل معهم و أهمية وجودهم في حياته فلا يستطيع المعالج مثلا أن يقترح لشخص يعاني من خلافات زوجية اللجوء للطلاق ، فمثل هذه القرارات المصيرية يجب أن يقوم الفرد بدراستها والبحث عن الحلول البديلة و فتح الحوار مع شريك الحياة الذي يمكن أن يحضر للاستشارة كما يحدث في الاستشارات الزوجية والأسرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما هي الخصائص التي يجب أن تتوفر في المعالج النفسي ؟ من وجهة نظري الشخصية والعملية فإن الدراسة والخبرة من العوامل المهمة لنجاح المعالج النفسي لكن بعض السمات الشخصية مثل التواضع والاستمرار في التعلم و تطوير الذات من الأمور الأساسية ، أما الخبرات فيجب أن تبقى متجددة ومواكبة للتطور في طرق العلاج ، كما أن المرونة في التعامل مع الآخرين وتقبل الأختلاف من أساسيات نجاح العلاقة العلاجية مع المريض ، كذلك الصدق مع النفس فالمعالج ليس من وظيفته إسعاد المريض وارضائه طوال الوقت فقد يتطلب الأمر توضيح الحقيقة التي يهرب منها المريض و يحاول تفاديها ، وإذا وجد المعالج نفسة غير متقبلا لأفكار المريض و نهج حياته فعليه تحويله إلى معالج نفسي آخر وتلك قمة الشفافيه ، هنا تكمن أهمية أن يعرف المعالج ذاته ويكون صادقا مع نفسه فلا تأخذه العزة بالإثم فيضيع وقته ووقت المريض في جلسات لا طائل منها.
وليتذكر المعالج أن “المستشار مؤتمن” ، وأن هذه الأمانة لا تقتصر على حفظ الأسرار بل تقديم مصلحة العميل قبل كل شي.