الصحوة – بُـثينة بنت حمود الحسنية
لم تكن زيارتي للجبل الأخضر في الصيف الماضيّ زيارةً عاديّة، فلقد وقعتُ في حبّ رمّانة جبليّة ساحرة، ألقت تلك الرمّانة تعاويذها المقدّسة على قلبي، فجعلتني أسيرة لحبٍ عجيب يتلبّسني حتى هذه اللحظة!
شرعتُ أبحث عن تاريخ الرمّان وعن مدى قداسة هذه الشجرة، فوقعت على كتاب للباحث الألماني بيرند برونر يقول فيه: “يرجع أصل شجر الرمان إلى المنطقة الشاسعة بين تركيا وإيران، والتي تمر بها أرمينيا، حيث كانت تزرع في كثير من الأحيان مع أشجار التين. أما في المناطق الأكثر جفافاً، فكانت ثمار الرمان تنمو إلى جوار النخيل. وقد عرفت بلاد فارس وبلاد الشام زراعة الرمان قبل ثلاثة آلاف سنة.
ومن المحتمل أن تكون ثمار الرمان قد وصلت إلى شمال أفريقيا واليونان وآسيا الصغرى، في حقائب التجار والبحارة الفينيقيين قبل ألفي عام. وهناك مؤشرات على أن الرمان وصل إلى الصين من سمرقند عام 50 قبل الميلاد، ومنها إلى اليابان وعموم جنوب شرق آسيا”
على الرغم من صغر حجم الكتاب إلا أنّ الباحث قد اجتهد حقًا في جمع معلومات دقيقة وثمينة عن هذه الشجرة المباركة، مؤكدًا أيضًا: “بأن الإغريق كانوا يقدّسون ثمار الرمّان الذي ارتبط لديهم بالأمل في مواصلة الحياة حتى الموت، وكان يعتبر من الأشياء التي تمّ اخفاؤها فيما كان يعرف بالصندوق الأسطوري الموجود في قاعة (التيليسترون) وهي قاعة إقامة الطقوس السريّة المقدّسة في مدينة الفسينا والتي كانت تعتبر المقرّ الرئيسي لعبادة الربّة ديميتر”
تمنيت لو تم ذكر جبلنا الأخضر الأشمّ في هذا الكتاب، فأشجار الرمان في الجبل يقدر عددها بنحو 27 ألف شجرة، وتنتج ما يصل إلى 645 طنا من الثمار، التي تتميز بالجودة العالية والحجم الكبير والقشور النحيفة، بالإضافة إلى تعدد الأصناف والمذاقات؛ فهناك الرمان الحامض والحلو والقصم والملاسي.
في الصورة يظهر شابين قد أخذهما التعب جراء حمل صناديق الرمّان عبر المدرجات الجبلية الجميلة في قرية العين-الجبل الأخضر.
لم يتوقف شغفي بالرمّان إلى هذا الحد من البحث والقراءة، بل حاولت مرارًا زراعتها في فناء بيتي المسقطيّ، و لكن أبت الظروف المناخية العنيدة أن يتحول حلمي إلى حقيقة، وبائت محاولاتي كلها بالفشل!
ضلّ طيف الرمّانة الساحرة يزورني، ويرغمني على التساؤل .. لما لا؟
لماذا غيبت هذه الشجرة البديعة في فنّ الإنسان العماني و أدبه و ثقافته؟
لماذا لم تنل حقها في الوجود في الأغاني الوطنية، وهدهدات الأمهات، أو حتى في الأساطير الشعبية التي بقيت ترعبنا طيلة طفولتنا، وتؤرق مضاجعنا كل ما هممنا للخلود الى النوم ؟!
لمَ لم يصنع الإنسان العماني من الرمّان رمزًا للحب والثورة والتضحيات والثبات؟!
ولا زال شبح الرمّانة يلاحقني، يرشقني بالعتاب تارةً و يهدهدني تارةً أخرى بقصائد جبلية ساحرة، قصائد بلا كلمات ولكن بروحٍ شجيّة عذبة.
أؤمنُّ بأن للأشجار قدرةً عجيبةً على أن تسكن في الإنسان، أن تهبه اكتفاءً، غنىً، وروحًا مخضرّة لا تشيخ أبدًا، فلما لا نعطي هذه الأشجار شيئًا من الحُبّ المقدّس حتى تعطينا شيىًا من بهجتها؟!