الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
تعتبر العلاقات الناجحة من مكونات الحياة السعيدة، فالإنسان بطبعه في حاجة إلى من يفهم ويبادله الحب والاحساس بالأمان، لكن البعض يعاني من صعوبة في تكوين أو المحافظة على العلاقات الاجتماعية مثل الصداقة والزواج، فتجدهم يتخبطون بين العلاقات المختلفة أو يتجنبون تكوين علاقات مقربة من الأخرين وإن حاولوا فهم يعانون من الخلافات المستمرة، وحسب نظريات علم النفس فإن التعلق بالأخرين يبدأ في وسنوات الطفولة الأولى حيث تحدد علاقة الطفل بوالديه نوعية علاقاته مع الأخرين خلال مراحل العمر المختلفة، وحسب نظرية عالم النفس البريطاني جون بولبي توجد أربعة أنماط لتعلق الطفل بوالديه (يستخدم بولبي مصطلح “مقدم الرعاية” بدل من الوالدين لأن بعض الأطفال قد يقوم بتربيتهم فرد آخر من الأسرة أو ينشؤا في دار الأيتام، أو يتم تبنيهم) وهذه الأنماط هي: تعلق آمن، تعلق غير آمن، تعلق متجنب وتعلق غير منتظم.
يتوفر التعلق العاطفي الآمن عندما يستجيب مقدم الرعاية بشكل مناسب، وعلى وجه السرعة وبإنتظام للاحتياجات الطفل وينجح في تكوين علاقة تعلق آمن معه. هذا النوع من التعلق العاطفي ينتج شخص مستقل، واثقا بنفسه وبالآخرين، لا يخشى الالتزام بالعلاقة، آراءه بشأن العلاقات مرنة وغير معقدة ويتواصل بشكل جيد، يعرف كيف يصل إلى الحل الوسط والتنازل إذا تطلب الأمر، لا يخشى الاعتماد على غيره ويعبر عن مشاعره بشكل طبيعي، أما في حالة التعلق غير الآمن فيكون مقدم رعاية غير منتظم بين الاستجابات المناسبة والإهمال وغالبا لا يستجيب إلا بعد زيادة سلوك التعلق عند الطفل. هذا النوع من التعلق ينتج شخصا يعاني من الخوف والقلق من الرفض وانتهاء العلاقة، ترتبط سعادته بوجود شخص ما في حياته، أحيانا يستخدم حيلا سلبية ليحصل على انتباه شريك الحياة ويجد صعوبة في التعبير عما يزعجه ويتوقع من شريك الحياة أن يخمن ما يشعره به دون أن يتكلم هو، يشك في أن شريك حياته قد يكون غير مخلص ودائما يبحث عن الإشارات التي تدل على ذلك.
أما في حالة التعلق العاطفي المتجنب فيكون مقدم الرعاية قليل الاستجابة لاحتياجات الطفل، يمنعه من التعبير عن مشاعره ويشجعه على الإستقلالية في سن مبكر حتى إذا ما كبر الطفل تصبح علاقاته بالآخرين متذبذبة- أحيانا يريد الطرف الآخر ويريد القرب وأحيانا يبعده، يقدر استقلاليته بشكل كبير ويقلل من قيمة شريك الحياة، ولديه آراء غير واقعية بشأن العلاقات الملتزمة، لا يثق بالآخرين ويخشى استغلاله من قبلهم ويعاني من صعوبة في التعبير عن مشاعره للمقربين منه، أما التعلق العاطفي غير المنتظم فيحدث عندما يزرع مقدم الرعاية الخوف في نفسية الطفل ويهدده بالانسحاب من حياته ويسئ معاملته نفسيا وجسديا فينشأ لدى الطفل صورة سلبية لذاته، يعتقد أنه غير محبوب، وأنه سوف سيقضي حياته وحيدا، لا قيمة له فينتابه الخوف والقلق عند تكوين علاقات عاطفية وغالبا ما يشعر بالوحدة بسبب الرغبة الشديدة في الإرتباط والتواصل الحقيقي مع الطرف الآخر، لكن ردة فعله التي يميزها التوتر والخوف تجعله يتصرف بشكل غير منتظم يؤدي إلى ابتعاد الطرف الآخر عنه مما يعزز المعتقدات السلبية التي رسمها لنفسه في أنه غير مرغوب به وغير محبوب.
أنواع التعلق هذه تؤثر بطرق مختلفة في علاقاتنا بالآخر وقد تؤدي إلى التعاسة الزوجية أو ربما الطلاق أو الدخول في علاقات متعددة بحثا عن من يفهم هذه الاحتياجات ويملاء الفراغ النفسي الناتج عنها، لذا يجب على الوالدين الانتباه إلى تعاملهم مع الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة تجنبا لأنماط التعلق غير الصحي.