الصحوة – لينا الرواحية – باحثة ماجستير في القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس
ممّا لاشكّ فيه أنّ الجريمة والاجرام مرضٌ عضل يُصيب المجتمعات، كما أنها خروجًا صريحًا عن الفطرة السليمة التي فطرنا المولى عزّوجل عليها، فالإنسان وبأصل تكوينه لم يُطبع على السلوك الجُرمي ولا على حُب الإجرام والجريمة، إلاّ أنّ النفس البشرية في الجانب الآخر أمّارة بالسوء بطبيعتها، فقد تزج ببنو البشر الظروف التي يدّعيها كل مُجرم بعد ارتكابه لها، إذ أنّه ومصداقًا لقوله تعالى:” ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها”، إلاّ أنّ بواعث كل مُجرم ودوافع الاجرام لديهم تختلف بعد صراع الخير والشر في أنفسهم، ولكن ومع الأسف يظهر أنّه غلب الشرّ على الخير وانتصر، وذلك بأن تدفعه شتّى البواعث إلى مُخالفة الفطرة بارتكاب الجريمة التي عرّفها الفقهاء بأنها كل فعل أو امتناع عن فعل رتّب القانون لمرتكبه جزاء، كما يمكننا أن نُعرّف الباعث بأنّه العامل النفسي أو مجموعة العوامل النفسيّة الداخلية التي تؤثّر علـى النفس البشريّة مُحفّزًا لقيامه بنشاط إرادي، مؤدّيًا بذلك إلى ارتكاب الجريمة، فقد ينفعل الشخص نتيجة استفزازه بأيّ أمر لا يُعجبه ولا يرتضيه، كأن يستفزّه أحدهم بألفاظٍ تخدش كرامته فتثيره تلك الألفاظ دافعةً إياه نحو ارتكاب السلوك الجُرمي، مُرتصّدًا له قاصدًا قتله؛ فيقوم بقتله فعلًا بباعث الكُره والحقد والاستفزاز، ظانًا أن ذلك الأمر سيُخرجه من إطار المساءلة القانونيّة لانتفاء القصد الجُرمي على سبيل المثال أو أنّ ذلك الباعث سيكون السبب في نجاته من العقوبة والجزاء الذي ترتّب على ارتكابه للجريمة، إلاّ أنّ ذلك الأمر لن يكونَ كذلك استنادًا لنص المادّة (٣٦) من قانون الجزاء العُماني رقم (٧/٢٠١٨)، التي نصّت على أنّه “لا يُعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة مالم ينص القانون على خلاف ذلك”، فالأصل وكما في المادة سالفة الذكر أن الباعث وراء الجريمة لا يُعتد به قانونًا، فمن يرتكب الجريمة بدافع الحُب أو الكُره أو الغيرة أو الغضب أو الانتقام وغيرها من العوامل النفسية التي تؤثّر على المواقف البشريّة فتضعهم في دائرة الجريمة وضمن نطاقها لا يعتد ولا يأخذ القانون بهذه البواعث التي ساقت بالمجرم إليها، ولكن عند استكمال قراءة النص القانوني نجد أنّ لذلك الأصل استثناء وهو أنّه من الممكن الاعتداد بالباعث ولكن فقط في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة كما في المادّة (٣٠٢) من قانون الجزاء العُماني التي جعلت من ارتكاب جريمة القتل لسبب أو لباعث دنيء أحد الحالات التي توجب تشديد العقوبة فيها لتصل إلى الاعدام، إذ أنّ المقصد من عدم الاعتداد بالباعث هو أن المشرّع لم يعتبر الباعث أحد عناصر القصد الجنائي أو أحد أركان الجريمة أو عناصرها، إلاّ أنه وعلى الرغم من عدم اعتداد المشرّع القانوني بالباعث على ارتكاب الجريمة فقد تؤثّر تلك القوة التي دفعت لارتكاب الجريمة علـى تقدير القاضي الجزائي للعقوبة إمّا بالتخفيف أو بالتشديد، فالباعث قد يكون دنيئًا وهو سببًا مشدّدًا للعقوبة كما ورد ذلك في الفقرة (أ) من المادة (٨٣) من القانون سالف الذكر، أو قد يكونَ الباعث استفزازًا شديدًا صدر من المجني عليه بغير حق وعلى إثره؛ حدا بالجاني إلى إتيانه السلوك الجُرمي، لذا فهي أحد الأعذار القانونيّة المُخفّفة التي نصّ عليها المشرّع العُماني في المادّة (٧٨) الفقرة (ب) من قانون الجزاء العُماني، لذا وممّا سبق تفصيله؛ نجد أنّ المشرّع العُماني أولى عنايةً عظيمة حينما أطّرَ الباعث ضمن أطر قانونيّة لا تبرّر للمجرمين فعلتهم لكي لا تسمح لهم كذلك بالتمادي في تطوير بواعثهم لواقع إجرامي تقوم بدورها على ردع كل من تسوّل له نفسه و لمجرّد التفكير في إتيان السلوك الجُرمي أو حتى لمجرّد الاقتراب منه.