الصحوة – إيمان الراشديّة
أصبحت ظاهرة التنمر جزءا لا يتجزأ من البيئة المدرسية والمجتمع ما زال غير مدركا لخطورته التي تصل إلى القتل والانتحار! فقد نشرت منظمة اليونسيف بأن نصف المراهقين في العالم يعانون من عنف الأقران في مدارسهم أو في محيطها، والتنمر يعيق تعليم 150 مليون طالبا من عمر 13-15 عاما!
* قصص لا تروى
يقول الدكتور إدريس الفليتي -مستشار نفسي تربوي أسري ورئيس مركز أنسنة للاستشارات التربوية والأسرية- إنّ هناك الكثير من حوادث القتل التي كان التنمر سببها الوحيد! ويؤكد بأنّ الحوادث قد حدثت في مجتمعنا، ولكن لا يُفصح عنها أحد، وفي الجانب الآخر هناك العديد من حالات الانتحار بسبب التنمر وكذا لا أحد يفصح عنها! فعلى الرغم من أنّ أخطار التنمر كبيرة إلا أنّ حملات التوعية ليست كافية.
تقول ز.ر لديّ أخت تكبرني بعامين وكنّا في المدرسة نفسها، ومنذ أن دخلت المدرسة وأنا أسمع تلك العبارة “أختك أجمل وأذكى” وهذا ما جعل شخصيتي انطوائية إلى حدٍ كبير. وتذكر موقفا لا تستطيع نسيانه عندما كانت في الصف الثالث الابتدائي كانت لا تتحدث مع الآخرين إلا قليلا ولا تتفاعل في الحصص الدراسيّة إلى أن جاء ذلك اليوم وطلبت منها معلمتها أن تقف أمام جميع الطلبة في الصف الدراسي وقالت: لا تكونوا مثل هذه الطالبة فهي كالجدار فقط في الصف! ومنذ هذا اليوم وهي لا ترغب بالذهاب إلى المدرسة مطلقا، فشعرت والدتها بأنّ هناك خطب ما وسألت زينب عما حدث وأخبرتها بالأمر، فذهبت والدتها إلى المدرسة لإخبار إدارة المدرسة عن الموقف الذي قامت به المعلمة، وتم استدعاء المعلمة لتبرر ما فعلته أمام الطالبة ووالدتها، ولكن الشيء الصادم هو أنّ المعلمة أنكرت كلّ ما قالته الطالبة قائلةً: هذه مجرد افتراءات، فهي طفلة في سنٍ صغير كيف تصدقونها؟ وبالفعل قالت مديرة المدرسة: إنّ الأطفال دائما يقومون باختلاق قصص لا صحّة لها من أجل جذب الانتباه!
وتكمل بأنّ المقارنات بينها هي وأختها ظلت طوال سنواتها في المدرسة حتى أصبحت تشعر بشيء من الحقد اتجاه أختها، وترى نفسها ليست إلا نقطة صغيرة بجانب أختها المتفوقة دراسيا، وعندما أنهت مرحلة المدرسة وانتقلت إلى المرحلة الجامعية أصبحت تشعر بالسعادة لأن لا أحد يعرف أختها! فالجميع يعرفها هي فقط، ولكن الفتاة الانطوائية جدا التي لا ترغب بمحادثة أحد لأنها تعلم أنه سيقول لها: “غريب أن تكون أختك جميلة وذكية جدا ولستِ مثلها” ظلت إلى هذا اليوم هكذا حتى أصبحت تفضل الجلوس مع القطط بدلا من البشر الذين لا يجيدون سوى التنمر!
تحكي وئام الريامية -طالبة في الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا- قصتها عندما كانت في المدرسة وتقول كنّا نلعب أنا وزميلاتي، وكل واحدة يجب أن تكتب صفات لإحدانا في ورقة ومن ثم نقرأ الأوراق ونحزر الطالبة المقصودة، وعندما بدأت زميلتي بقراءة إحدى الأوراق قالت: تلك الفتاة السمينة والتي حاجبيها مثل علامة ماكدونالدز! فأكملت وقالت لا شكّ أنّها وئام! وتعالت أصوات الضحكات بينهنّ. وتضيف الريامية بأنّ الموقف قد مرت أعواما منذ أن حدث، ولكنها ما زالت ترى حاجبها مختلفا وغريبا ولا تستطيع أن تتقبله. وتقول إنّها ظلت في مرافقة هؤلاء الطالبات رغم إساءاتهن المتكررة وهذا جعلها تفقد ثقتها بمن حولها حتى يومنا هذا.
*بين الظنّ والحقيقة
تقول الدكتورة آمنة الشامسية -طبيبة نفسية مختصة بالأطفال والمراهقين- إن المفهوم الشائع للتنمر بين الناس خاطئ، فيُظن أنّه أمرٌ طبيعيٌ بين الطلبة وجزء محتمٌ في المدرسة، ولكن مع الأسف آثاره خطيرة وكبيرة وتستمر لسنوات طويلة بعد انقضاء مرحلة الدراسة وقد يغير الكثير في شخصية الإنسان الذي تعرض للتنمر. وتضيف بقولها إن التنمر مثلما هو متعارف عليه بأنّه أي سلوك عدواني يتسبب فيه طفل أو مجموعة من الأطفال عن قصد وبشكل متكرر، ويؤدي إلى إلحاق الأذى أول الضيق للطفل المستهدف (سواء كان طفلا أو شابّا) ويشمل هذا السلوك الأذى الجسدي، والنفسي، والاجتماعي.
ويقول الفليتي إنّ التنمر له أنواع متعددة فقد يكون لفظيا، أو جسديا، أو إلكترونيا، أو جنسيا، أو اجتماعيا.
وتضيف الشامسية بأن التنمر هو سلوك مكتسب فلا أحد يولد متنمرا، وأنّ معظم المتنمرون كانوا ضحايا من قبل، أي أنهم تعرّضوا للتنمر قبل أن يمارسوا هذا السلوك على أحدٍ آخر، كذا إنّ أحد أسبابه هو رغبة الطفل الجديد في المدرسة بأن يحصل على القبول من الآخرين وأن يثبت قوته وشراسته فينضم إلى مجموعة الطلبة المتنمرين، وهكذا يشعر بالاطمئنان بأن لا أحد سيستطيع إيذائه بأي شكل، إضافةً إلى العنف المنزلي؛ فعندما يكون العنف اللفظي أو الجسدي هو السائد في المنزل ستكون هذه هي طريقة التواصل للطفل، كذلك التربية الخاطئة فيحث بعض أولياء الأمور أطفالهم بالغلبة الجسدية لإثبات ذواتهم خصوصا بين الذكور، أمّا بين الإناث فالتربية المتزمتة والعلاقة السلبية بين الوالدين تجعل الطفل يفرغ شعوره السلبي عن طريق التنمر.
وتذكر أمل الراشدية -معلمة لغة عربية في مدرسة الصاروج للتعليم الأساسي- أنّ من الأسباب التي تجعل الطفل يمارس على السلوك على غيره في المدرسة هو أنّ الطفل يكون مهمشا في المنزل وفاقدا لشعور الحنان ويلجأ إلى التنمر تعويضا للنقص الداخلي.
ويضيف الفليتي عن أسباب التنمر قائلا إن الشخص المتنمر غالبا يمارس الدور نفسه الذي مارسه أحد آخر عليه، إضافةً إلى حب الشهرة؛ فالطفل المتنمر يظن أنه سيحظى بالشهرة بين زملائه إذا مارس هذا السلوك على طفلٍ آخر، كذا الغيرة بين الطلبة تجعلهم يتنمرون على بعضهم بغية في إظهار السلبيات بين بعضهم. وفي حديث مستمر يلفت الفليتي للأعراض التي تظهر في الطفر المتنمر عليه فنراه فاقدا للشهية ومنعزلا، وقلقا، وعصبيا، ومبتعدا عن أصدقائه.
وتذكر الراشدية بأن الأشخاص الأكثر عرضة للتنمر هم الخجولين والمنطوين، والمختلفين في المظهر، أو الثقافة، أو الحالة الصحية، أو الوافدين.
نهايةً تشير الشامسية إلى دور المدرسة والوالدين في معالجة التنمر، ففي المدرسة لابد من أخذ هذه الظاهرة على محمل الجد والتعامل معها بطريقة جدية وحازمة وتشكيل مجموعات دعم ومجموعات مراقبة ومتابعة للمتنمرين، أما بالنسبة للوالدين فالتفهم والهدوء هو مفتاح الحل وعادة يغضب الوالدين ويلقون اللوم على الطفل لعدم قدرته على الدفاع عن نفسه أو أنه يعطي الأمور فوق قدرها وبالتالي يستهينون بمشاعر واحساس الطفل، والطفل بحاجة الى من يستمع إليه بدون نقد ومن ثم البحث في الأسباب ومحاولة ايجاد حلول عملية.
المصادر:
موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة
الدكتور إدريس الفليتي
الدكتورة آمنة الشامسية
المعلمة أمل الراشدية
وئام الريامية
ز.ر