الصحوة – الدكتور حمد السناوي
منذ أسابيع حضر للعيادة رجل بصحبة ابنه الذي يبلغ من العمر 24 عاما، بدأ الأب الحديث عن قلقه بشأن سلوك ابنه الشاب الذي تغير مؤخرا. كان الابن في رحلة تخييم مع أصدقائه عندما تلقى والده اتصالا من الشرطة يفيد بفقدان الابن وتم العثور عليه لاحقا في منزل مهجور يبكي ويتحدث بصوت عال بطريقة غريبة، أبلغ الشاب الشرطة أنه تناول مخدرات وهو ما تأكد ذلك لاحقا في المستشفى.
بعد تلقي العلاج، تم احتجازه في مركز الشرطة لكن بعد عودته إلى المنزل استمر في تعاطي المخدرات التي يقوم أصدقاؤه بتهريبها له بعد منتصف الليل عندما يكون جميع من في المنزل نيام، أخبرني الأب بأن ابنه رافض لفكرة الاستشارة ورغم محاولة الأب في حثه على الكلام بقي الابن صامتا طوال الفترة حتى بعد أن غادر والدة الغرفة.
يعتبر العلم الحديث إدمان المخدرات ظاهرة معقدة يمكن أن تسببها العديد من العوامل مثل وجود استعداد وراثي يزيد من خطر الإصابة بالإدمان وتعرض الشخص لصدمات في مرحلة طفولته المبكر تجعله يعاني من الأمراض النفسية فيبدأ في تناول المخدرات كمحاولة للهروب من المعاناة النفسية والتعامل مع الألم النفسي، كما يسهم كل من الوضع الاقتصادي المتدني ونقص التعليم والعزلة الاجتماعية في زيادة احتمالية أن ينتهج الفرد سكة الإدمان، وبينما يمكن أن تكون هذه العوامل أسبابا ونتائج لإدمان المخدرات. ومع ذلك، نجد أن بعض الأفراد يقرر ويختار استخدام المخدرات بإرادته الخاصة دون وجود الظروف الصعبة المذكورة سابقا. ولهذا السبب، اقترحت بعض نظريات علم النفس أنه يمكن أعتبر المدمن ضحية أو شخصا اختار طريقه، فنظرية الضحية تعتبر إدمان المخدرات مرضا يؤثر على وظائف الدماغ ويؤدي إلى قيام المدمن بسلوكيات ضارة له ولمن حوله وقد لا يكون مسؤول بشكل كامل عن أفعاله تحت تأثير المخدر، ويحتاج إلى دعم والعلاج للتغلب على الإدمان، أما نظرية الاختيار فتعتبر الشخص المدمن لديه درجة من الاختيار للخروج من دائرة الإدمان والبحث عن المساعدة والمشاركة في العلاج والعمل نحو التعافي من الإدمان بدلا من لعب دور الضحية
كما توجد نظريات تعتبر المدمن ضحية إلى حد ما لكن لديه القدرة على اتخاذ قرارات والعمل نحو التعافي بالدعم المناسب.
في وجهة نظري أن اعتبار المدمن ضحية يفتقر إلى الدليل العلمي حيث إن العديد من الأشخاص يتعرضون للصدمات والتجارب القاسية في حياتهم دون أن ينتهي بهم الأمر جميعا إلى إدمان المخدرات كما نجد أن بعض المدمنين يكون جميع أفراد أسرت تعرضوا لنفس الضغوطات ونفس البيئة ولا يدمن الآخرون المخدرات، كما أن البعض قد يعتبر كونه ضحية عذر للتمادي في الإدمان وإلقاء اللوم على من حوله ولا يأخذ بالأسباب للتعافي والتخلص من آفة الإدمان.
ختاما، فإن الإدمان سلوك معقد تشترك في تكوينه مجموعة من العوامل ولن يفيد إعفاء الشخص المدمن من تحمل قراراته واختياراته سواء في دخول عالم الإدمان من باب الفضول، لذلك من المهم التعامل مع المدمن بالتعاطف المعتدل وتوفير سبل الإقلاع من الإدمان.