الصحوة – شريفة التوبي
ما يحدث في هذا العالم أكبر مما يطيقه قلب آدمي، وأثقل من أن يحتمله ضمير إنساني، وكأن الحياة خلعت ثوب إنسانيتها، وتعرّت من قيمها وأخلاقها، وتحوّل العالم إلى غابة مليئة بالحوش الضارية. ستخجل بينك وبين نفسك أن تنتمي إلى هذه الغابة، وأن حدث وعجزت عن قتل ضميرك وتجاهل صراخ قلبك وأنين روحك، ستصاب باكتئاب مزمن وحزن سيطيب له المقام في نفسك المتعبة، ستشعر وكأنك في متاهة مظلمة، وستحاول النجاة من فخ البقاء في هذا العالم ولا تنجو. وكل ما ستفعله أن تحاول الاعتياد على هوان نفسك وذلّها وعجزها، والاعتياد على الذلّ أدهى وأمرّ حتى من الموت، ففي ذلك استسلامك وخضوعك، وفي خضوعك استعباد، وسلب لحريتك كإنسان، وامتهان لكرامتك، والأدهى من كل ذلك أن تتحوّل إلى عين شاهدة، وكائن متفرّج دون أن يهتزّ في داخله شعور، ومع كل موت تشهده تموت إنسانيتك برصاصة عجزك، وكأنك الغائب الحاضر، الشاهد الصامت الذي ألجم الخوف لسانه، وقتل الاعتياد على الذل إحساسه.
تأتي عليك لحظة تحاول أن تفهم فيها ولا تفهم، حتى تظن بنفسك الجنون في عالم أنت غير متأكّد من جنونه أو عقله، تحاول أن تعتزل منافذ الأخبار في محاولة يائسة منك لإنقاذ نفسك، وإذا بك متورّط وواقع في فخّ الخديعة والهوان، حتى جدران بيتك لم تعد كافية لتحميك من شتاء قلبك، وجليد نفسك العاجزة، سريرك الدافئ لا يهبك النوم وأطفال غزّة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ليالي الشتاء القارسة البرودة، فتخجل من غرفتك وسريرك وبيتك ودفء عائلتك وروح روحك الآمنة بين يديك، تنظر إلى أطفال غزة وهم يولدون من رحم أمهاتهم، فتأخذهم يد الموت، يكفّنون بأقمطتهم، تحتضنهم قبورهم، يكبرون فيها، وبعضهم يتحوّل إلى طير من طيور الجنّة.
وتعجب من نفسك العصيّة على الموت، أنّك وسط كل هذا الموت ولا تمت، ووسط هذا الظلم وقسوة الجلاّد وما زلت تحسب نفسك حيًّا، عربيّ موصوم بعار عروبتك، بعد أن كانت العروبة لك فخراً وعزّة، كثر الجلادون والخونة، وسقط الضحايا وأنت أحدهم، بل لعلّك الضحيّة الأكثر عذاباً، لأنك اخترت دورك وموقفك، واخترت أن تكون ضحيّة حينما عجزت أن تكون جلاداً أو حتى إنسان، وأنت مسؤول عن اختياراتك وأدوارك.
ورغم الحقيقة الواضحة أمام أعين العالم أجمع، إذا بك بين طائفة من الحمقى يتلاعبون بك وبالحقيقة التي بتّ تعرفها كما يعرفها غيرك، يحاولون طمسها كما كانوا يفعلون، يزيّفون الصورة والكلمة عبر قنوات إخبارية ما كنت تملك مصدراً آخر غيرها، يزرعون الوهم تلو الوهم أن هناك قوة لا تُقهر واسطورة لا تهزم اسمها…، وأن من يمسّها بكلمة عقوبته الموت، ومن يقترب منها سيحترق، حتى أتت اليقظة الكبرى مع أبطال 7 أكتوبر، لتنكشف الحقائق تباعاً أمام العالم، فتهبّ كمن مسّه صاعق كهربائي، يعود لك الأمل في إنسانيتك، وأن لك قلب يشعر وضمير يتألّم، وأنك رافض للظلم، وأن في هذا العالم آلاف الشرفاء والأحرار؛ من سيقفون وقفة الإنسان مع الإنسان، وتفخر بموقفك البسيط ودورك الصغير حين تجد في المقاطعة سلاحك وانتفاضتك، وتشعر بأنك إنسان وأنك حرّ، وتعجب كيف يدور الزمان دورته وأنت ترى أحرار جنوب أفريقيا أحفاد مانديلا وقد خرجوا أسوداً من صحراء افريقيا ليحاكموا أسطورة العبودية والاستعباد، فتتأكد أنه حانت اللحظة، وآن أوان هزيمة وهم القوة، وأنّ الحياة تعيد تدوير نفسها، والتاريخ يعيد إصلاح خرابه، وسيُهزم وهم القوّة، “فالبيت لنا، والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس”.