الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
في احدى التجمعات العائلية سأل أحد الاقارب ابني الاكبر وهو ينظر الي “اتسأل كيف هي الحياة مع طبيب نفسي، هل يقوم الولد بتحليل تصرفاتكم في المنزل و تقديم النصائح لتعديل السلوك ؟ ابتسمت له و طمأنته إنني لا أقوم بالتشخيص خارج العيادة و احاول دائما الفصل بين العمل والحياة الأسرية ، فأنا لم أفكر يوما أن ابني الذي يتأخر في دورة المياه ربما يعاني من الوسواس القهري ، ولم أخبر ابني الآخر الذي دائما يعتذر عن حضور التجمعات العائلية أنه ربما لديه بعض من أعراض الرهاب الاجتماعي . لعل الصورة النمطية التي رسمتها الافلام والمسلسلات عن الطبيب النفسي هي السبب وراء الفضول الذي يشعر به البعض تجاه الأطباء النفسيين و طريقة تفكيرهم و تعاملهم مع الآخرين حتى خارج الجلسة الاستشارية خاصة عندما تكون أفكار الطرف الآخر غير مألوفة، ذات مرة سألني أحد الطلبة “كيف تجلس مع شخص يشهر بأنه ملحد ، أو متحرش بالأطفال أو شاذ جنسيا” أجبته أن من أهم صفات الطبيب النفسي عدم إقحام أفكاره الشخصية أثناء الاستشارة و تجنب الحكم على مرضاه قدر المستطاع ، هذه المهارات تأتي مع الخبرة و الممارسة فبعض الأطباء النفسيين خلال فترة التدريب يجد صعوبة في تقبل الأشخاص الذين تكون أفكارهم و سلوكياتهم غريبه على المجتمع و غير مقبولة لكن مع الوقت يتعلم الطبيب أن يتعامل مع مرضاه بمهنية أكبر و يرسم حدود واضحه بين عمله و حياته الشخصية، كما أن الطبيب الذي يعتقد أنه يجب أن يحل مشاكل جميع من يأتي للاستشارة عادة ينتهي به الأمر إلى الاحتراق الوظيفي لأنه نسي أن دوره هو مساعدة المرضى في حل مشاكلهم ، كما أن بعض المرضى ينكر وجود مشكله أو يلقي باللوم على الآخرين ولا يجتهد في مناقشة الحلول، هنا يأتي دور الطبيب في مناقشة هذه الأفكار مع المريض و إشراكه في إيجاد الخطوات المناسبة لإيجاد الحلول لا أن يقوم هو بحل مشاكل المريض بالنيابة عنه.
أخبرني أحد الزملاء أن زوجته تقول أنه لا يتعاطف معها عندما تخبره عن الخلافات التي تحدث أحيانا بينها وبين صديقاتها وأنه استنتجت أن عمله يستنزف قدرته على التعاطف مع أفراد أسرته، فلا يتبقى لديه من الاهتمام للاستماع إليهم مهما كانت الأحاديث بسيطة وعادية، وعندما قام بتنظيم وقته وتخصيص وقت للأسرة و التجمعات العائلية تمكن من خلق التوازن المنشود بين وظيفته كطبيب نفسي و حاجته إلى الراحة والهدوء.
ختاما فأن خلق التوازن بين الحياة الشخصية ومتطلبات الوظيفة عنصر أساسي في الحصول على الامان النفسي الذي يمكن الفرد من الاستمرار في العطاء والإبداع.