الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
عندما كنت متدربا في قسم الطب السلوكي أتى للاستشارة ذات يوم شاب في منتصف العشرينيات من العمر، وعندما خرجت لمناداته اكتشفت أن اسمه “الحجاج” فقلت مازحا، الحجاج بن يوسف الثقفي فقال “حتى أنت يا دكتور، أصلا أنا أتيت للاستشارة لأن هذا الاسم سبب لي عقدة نفسية فجميع من يعرف اسمي يذكرني بذلك الطاغية ولست أدري لماذا لم يختر والدي اسم آخر” وفي الموعد التالي لمحت نفس الشاب في قاعة الانتظار فدعوته لدخول غرفة للاستشارة قائلا “السلام عليكم الحجاج، تفضل” لكنه أخرج ورقة من جيبه وهو يبتسم قائلا “عبد الله، اسمي الآن عبد الله “، لقد قمت بتغييره رسميا.
تتعدد الأسماء وتختلف حسب الدول والمجتمعات وكذلك حسب تغير الأزمان فقديما كان السائد أن يسمى الطفل باسم أحد أجداده أو على اسم الشخصيات التاريخية فنجد أسماء مثل محمد وأحمد وعبد الله تتصدر قائمة الأسماء الأكثر شيوعا في الدول العربية بينما بدأت تكثر الأسماء ذات العصرية ذات الطابع الموسيقي فالبعض يسمي أطفاله على أسماء المطربين والممثلين، مما يثير الانتباه خاصة في الأماكن العامة، كما أن بعض الأسماء ارتبطت بصفات معينة فالبعض يطلق لقب “مصطفى” على الطالب المجتهد والذكي الذي يقضي معظم وقته في الدراسة والمذاكرة، واسم ماجد يذكرني الكابتن ماجد بطل المسلسل الكرتوني الذي أدمن مشاهدته الكثير من جيل الطيبين، وفي مطلع الثمانينيات انتشرت أغنية “من يا منى” للمطرب المصري محمد ثروت وأشتهر اسم منى على البنات اللواتي ولدن في تلك الفترة.
ومن الاعتقادات الشعبية القديمة أن الطفل الذي يبكي كثيرا ويصاب بالأمراض المتكررة في بداية طفولته فيعتقد والداه أن اسمه ليس مناسبا وربما جلب له الحظ السيئ فيقومون بتغيير الاسم هربا من النحس الذي سببه الاسم السابق حسب اعتقادهم، وقد ورد في السيرة النبوية أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- قام بتغيير بعض الأسماء القبيحة أو المحرمة لبعض الصحابة إلى أسماء حسنة طيبة، “فقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغير الاسم القبيح، وورد أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه، من مكان، أو قبيلة، أو جبل، أو شخص”.
وتشير الدراسات الحديثة أن بعض الأسماء تؤثر على فرصة الفرد في اجتياز المقابلات الوظيفية خاصة عندما يشير الاسم إلى ثقافة أو طبقة اجتماعية معينة فيثير ذلك بعض التحيز السلبي أو الإيجابي من قبل الأشخاص الذين يجرون المقابلة، ويشير موقع الجزيرة نت أن دراسة حول مسألة الرضا الذاتي عن الأسماء استنتجت أن الأسماء غير الشائعة قد تسبب لأصحابها مشكلات في التكيف الاجتماعي، حيث يؤدي الاسم غير العادي بدوره إلى ردود أفعال غير متوقعة من الآخرين، ما يؤدي بعد ذلك إلى تقييمات غير متوقعة لصاحب ذلك الاسم الغريب أو النادر، كما أوضحت الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم أسماء غير شائعة كانوا أكثر عرضة من أقرانهم للرغبة في التهرب من المدرسة والنفور من الدراسة في طفولتهم، كما أن درجاتهم في الاختبارات كانت في كثير من الأحيان أقل من درجات أقرانهم. وأوضحت دراسة أخرى أن الشخص صاحب الاسم المرفوض من المجتمع أو الغريب يكون أكثر عرضة لفقدان احترامه لنفسه، والشعور بالوحدة، نتائج مثل هذه الدراسات يجب أن تأخذ في الحسبان عوامل أخرى غير مباشرة يمكن أن تساهم في تلك النتائج إلا أنه من الجائز أن يكون التحيز والإسقاط والحكم المسبق هو ما يؤثر على حكمنا على الآخرين حتى قبل أن نتعامل معهم ونفهم نفسياتهم وقدراتهم.
ختاما يمكننا الاستنتاج أن الاسم بحد ذاته لا يؤثر على شخصية الفرد أو قدراته لكن الأحكام المسبقة وما يرتبط في أدمغتنا عن ذلك الاسم هو ما يثير مشاعرنا نحو صاحب الاسم، فالحجاج بن يوسف الذي حضر إلى عيادتي للاستشارة لم يكن سوى شاب عادي ليس بطاغية ولا يجب أن يحمل أوزار الاسم الذي اختاره له والديه.