الصحوة – حمد بن ناصر السناوي
التقيت مؤخرا بزميلي الطبيب النفسي من إحدى الدول العربية وتبادلنا الحديث عن وضع الصحة النفسية في الوطن العربي في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والتسارع في التكنولوجيا وارتفاع مستويات الرفاهية والغزو الفكري. أخبرني عن تزايد عدد حالات الإدمان السلوكي في عيادته وعن إحباط بعض الآباء والأمهات في التعامل مع المراهقين الذين أدمنوا ألعاب الفيديو إلى درجة أنهم اعتزلوا الحياة في غرف النوم وأمام شاشات الكمبيوتر حتى أن إحدى الأمهات وصفت ابنها المراهق “المستأجر الذي لا يدفع الإيجار”، فهو قابع في غرفته يتسلل إلى المطبخ بعد أن ينام الجميع ليأكل وجبة خفيفة أو يطلب طعامه عبر أحد التطبيقات التي تقوم بتوصيل الوجبات السريعة إلى المنزل، أخبرني زميلي أيضا عن ارتفاع عدد الأشخاص الذي يجرون عمليات تكميم المعدة لإنقاص الوزن الذي اكتسبوه من الوجبات السريعة والحلويات الدسمة التي تروج لها مواقع التواصل الاجتماعي حتى أن البعض يقوم بإجراء عملية أخرى بعد بضعة أعوام لأنه اكتسب الوزن الذي فقده بعد العملية الأولى لأنه لم يقم بتغيير نمط حياته، كما أخبرني عن حالات تأخر النطق لدى بعض الأطفال مع غياب أي خلل عضوي في نموهم وعادة ما يكون السبب انشغال الأم في حياتها الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي وانشغال الأب في عمله والخروج مع أصدقائه فلا يجد الطفل من يتحدث إليه ليتعلم منه الكلام. أخبرت زميلي عن الإحصائيات التي نشرت مؤخرا من مركز الإحصاء الوطني والذي يشير إلى زيادة ملحوظة في عدد الزيارات إلى العيادات النفسية في السلطنة مقارنة بالأعوام الماضية وكيف أن ذلك يمكن أن يكون نتيجة لزيادة الوعي لدى عامة الشعب عن الصحة النفسية لكن يجب ألا نتجاهل أن هذه الزيادة يجب أن يتبعها تطوير في خدمات الصحة النفسية وتوصيف من يحق لهم تقديم الاستشارات النفسية وحماية العامة ممن يدعون الخبرة في هذا المجال رغم أن مجال دراسة البعض منهم لم يشمل التدريب في العلاج النفسي فهم فقط اتخذوا من الأمر “فلهوه” كما يقال باللهجة المصرية الدارجة، مما يؤثر سلب على حياة المريض ويؤخر حصوله على الدعم النفسي المناسب.
وإنا أستمع إلى زميلي وهو يحكي تجربته تذكرت قصيدة الشاعر المصري أحمد شوقي “نصحت ونحن مختلفون أدوار… ولكن كلنا في الهم شرق، ويجمعنا إذا اختلفت بلاد… بيان غير مختلف ونطق”، هذه القصيدة صارت مضربا للأمثال، ويقصد بها أن كلنا «في الهم سواء»، فرغم اختلاف التركيبة السكانية والظروف المعيشية في البلد الذي يعمل فيه صديقي استنتجنا أننا نتشابه في العديد من الأمور المتعلقة بالصحة النفسية.
ولكي لا تتحول جلستنا أنا وصديقي الطبيب النفسي إلى “لطميه” كما يقال باللهجة العراقية، اخترنا إن تبادل بعض الأفكار العملية التي يمكنها تحسين جودة خدمات الصحة النفسية في الوطن العربي مثل تعزيز مهارات المعالجين عبر تبادل الخبرات وبرامج التعليم المستمر التي يمكن عقدها عبر نظام التعليم الإلكتروني وتطوير البحث العلمي في المنطقة لنتمكن من فهم خصوصية تجربة المريض النفسي في الوطن العربي وتقديم الاستشارة والعلاج المناسبين.
لقد كان حوارا مثمرا استمتعت بكل تفاصيله مع صديق ألتقيه للمرة الأولى، جمعنا الشغف و”الهم ” المشترك