الصحوة – الدكتور حمد السناوي
في الأيام الماضية احتضنت عاصمتنا الحبيبة معرض مسقط الدولي للكتاب والذي يعتبر من الفعاليات الثقافية التي تستقطب أعدادا كبيرة من الحضور من مختلف
الفئات العمرية ومحافظات السلطنة ومع ازدحام جنبات المعرض الزائرين دعونا
نتساءل، كمْ من الكتب أنهيت من التي اشتريتها العام الماضي؟ وهل ستكمل قراءة الكتب التي اشتريتها هذا العام؟
دعوني أعترف لكم أنني شخصيا لم أتمكن من إنهاء الكتب التي اشتريتها سابقا ولعل السبب وراء ذلك يكمن في نواح عديدة مثل فقدان الشغف في محتوى تلك الكتب أو الوقوع في فخ العناوين والأغلفة البراقة، أو لان الكتاب آثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب محتواه الجري المثير للجدل مما آثار فضولك الاستكشاف الأمر، أو ربما لأن الكاتب استمر في تكرار نفس الأفكار السابقة من كتبه التي نشرت في الماضي، كما أن البودكاست والكتب الصوتية تشكل منافسا قويا للكتاب الورقي خاصة وأنها تمثل بديلا ذكيا لاستغلال الوقت حيث يمكنك من الاستماع للكتاب وأنت تقود سيارتك إلى العمل، لكن لعل أهم أسباب العزوف عن إكمال الكتب الورقية هو التشتت الذهني الذي يعانيه كثير من الناس حيث تشير الدراسات البحثية أن قدرة الأفراد على التركيز انخفضت إلى ثمان ثواني عام ٢٠٢٣ بينما كان ١٢ دقيقة عام ٢٠٠٠ وحسب الدراسات النفسية فإن قدرتنا على التركيز بشكل طبيعي تتذبذب وتتأثر بمجموعة من العوامل مثل عدد ساعات النوم التي حصلنا عليها في الليلة السابقة إلى مدى اهتمامنا بالمهمة التي نقوم بها. ولكن “كوكتيل” القلق الذي يترتب على الحياة الحديثة مثل الضغوط الاجتماعية، وإغراء الهاتف الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت التي تشكل استنزافا قويا على الانتباه والتركيز، وتعد شاشات الكمبيوتر والهاتف الذكي وألعاب الفيديو من أهم عوامل التشتيت في وقتنا الحاضر، بسبب التدفق المستمر للإشعارات والمعلومات، تقول الدكتورة جلوريا مارك، أستاذة علوم المعلومات في جامعة كاليفورنيا، في كتابها “فترة الانتباه: وسيلة مبتكرة لاستعادة التوازن والسعادة والإنتاجية”. تم تصميم الإنترنت للاستفادة من كيفية تفكير البشر، حيث تسجل الخوارزميات السلوك البشري، وتلتقط انتباهنا لتقوم بإرسال الإعلانات والمعلومات بناء على بحثنا السابق، ولان الدماغ البشري يسعى نحو الإثارة والاتصال الاجتماعي فإن الأجهزة الحديثة تلبي هذه الرغبات. وحسب الدراسات النفسية فإن التحقق من إشعار الهاتف الذكي مثلا والذي يظهر على شاشتك يمكن أن يمنحك جرعة صغيرة من الدوبامين، مما يخلق شعورا بالمكافأة يجعلك تعود للتحقق من الهاتف مرات عديدة. وعندما تستسلم للإغراء وتقوم بالتوقف عما كنت تفعله للتحقق من هاتفك، يتعين على دماغك أيضا تغيير التركيز والانتقال إلى مهمة جديدة، وتشير الأبحاث أن هذه العملية تؤثر سلبا على سرعة وجودة عملك بشكل عام في الأجل القصير، وفي الأجل البعيد، “كلما ارتبطت بالتبديل بين المهام، زادت رغبة دماغك في التجول والبحث عن شيء جديد”، وهكذا يعتاد دماغك على التشتيت المستمر ويشارك فيه بشكل عادي- ولهذا السبب قد تجد نفسك تنظر إلى هاتفك تلقائيا بينما تحاول قراءة كتاب مثلا أو إتمام عملك على جهاز الحاسوب.
يخبرنا علماء النفس ان أهم خطوات الحصول على تركيز أفضل هي إغلاق التنبيهات التي يصدرها الجهاز عند وصول رسالة مثلا أو إبعاده تجنبا للتشتيت الذهني كما أن التجاهل المتعمد للهاتف عندما يرن يمنحك قدرة أفضل للتركيز مع الوقت قد يصل إلى أسابيع وشهور.
ختاما، فإن الحصول على تركيز أفصل يحتاج إلى الصبر والكثير من ضبط النفس والابتعاد عن المشتتات التي يمكنها أن تؤثر سلبا ليس فقط على قدرتك على القراءة والاستيعاب، ولكن يمكنها أن تشمل مهارات إدراكية أخرى من قيادة السيارة وإنجاز أعمالك اليومية.