الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
قدمت مؤخرا ورشة عمل عن الصحة النفسية في بيئة العمل وكان من ضمن التدريبات العملية أن يقوم الحضور بعصف ذهني لأسباب ضغوطات العمل من وجهة نظرهم، تعدد الإجابات بين طبيعة العمل وساعات العمل الطويلة وانعدام التحفيز وفرص التطوير الذاتي والترقيات لكن ما لفت نظري أكثر عدد الأشخاص الذي ذكروا أن العلاقات بين الزملاء وخصوصا المدير المباشر هي من أهم أسباب الضغط النفسي الذي يمكن أن يعاني منه الموظف وقد يسبب له الإحباط والتوتر حتى أن أحد الحضور ذكر مقولة مفادها أن الموظف لا يترك وظيفته إنما يترك مديره
يعرف علم النفس بيئة العمل السامة بتلك التي يسود فيها نمطا متكررا ومستمرا من الإساءة أو المضايقة أو التمييز بين الموظفين والذي يتم تجاهله أو السماح بوجوده أو يتم دعمه من قبل المدير الذي لا يتخذ خطوات مناسبة لتصحيح الوضع، كما تكثر في بيئة العمل السامة النميمة والتحزبات التهميش، الموظف الذي لا ينتمي إلى مجموعة “المقربون من المدير” يجد نفسه منبوذا ولن يلتفت أحد إلى احتياجاته أو إنجازاته، كما أن المدير السام لا يتحمل المسؤولية ويلوم الجميع ماعدا نفسه ومستعد يضحي بأحد أعضاء فريقه ليحمي نفسه، هو أيضا سريع الغضب، لا يحترم مرؤوسيه ولا يراعي طاقاتهم فيقوم بوضع مؤشرات أداء أو أهداف طويلة الأمد أو شبه مستحيلة التحقيق مما يجعل الموظف يحرق نفسه دون الحصول على وقت للراحة أو التطوير الذاتي.
تشير الدراسات البحثية أن بعض السلوكيات السيئة التي يقوم بها المدير في بيئة العمل مثل الاستيلاء على نتائج أعمال الموظف وتقديمها للجهات العليا باعتبارها أعماله هو، وعدم الثقة في أداء الموظف في وعدم تشجيعه يمكن أن تؤدي إلى نفور الموظفين من الوظيفة أو فقدانهم للحماس والإبداع.
كما أن المدير الذي لا يهتم إطلاقا بقيام الموظف ببذل المزيد من الجهد في العمل وعدم اهتمامه بمنح الموظف أي زيادات، أو دعم أو تحفيز مادي أو معنوي، أو الذي يقوم بتعيين وترقية “الأشخاص الخطأ” حيث يقوم بمكافأة موظف لا يعمل بشكل كاف مقابل موظفين يعملون بجهد كبير، أو يقوم المدير بتوظيف شخص ناقص الكفاءة بشكل ملحوظ، ويترك ذوي الكفاءة دون تعيين، مما يجعل الموظفين يشعرون بعدم الثقة والاستياء والشك في قرارات المدير بشكل عام.
وتشير الدراسات النفسية إلى وجود ما يعرف بالشخصية السيكوباتية لدى بعض المديرين يمكن أن تحول حياة الموظف إلى جحيم أو تضطره لترك الوظيفة، ويعرف علم النفس المدير السيكوباتي بالذي يمتلك صفات شخصية وإدارية تجعله لا يطاق أغلب الوقت، وتجعله أيضا خطرا على بيئة العمل في بعض في النهاية، فرغم أنه عادة ما يكون على درجة عالية من الذكاء إلا أنه مدير فاشل يفتقر إلى التعاطف ويحاول دائما أن يصل إلى أعلى المناصب عبر التلاعب بعقول الرؤساء، بالترغيب أو الابتزاز، من الصعود إلى مراتب القمة ليقوم بالسيطرة على مرؤوسيه والتدخل في شؤونهم بشكل مزعج مما قد يدفعه إلى الاستقالات الجماعية أو التدني في مستويات الأداء.
ختاما فإن المدير الجيد يحتاج إلى اكتساب بعض المهارات الأساسية التي تمكنه من تحفيز مرؤوسيه وخلق بيئة صحية تراعي الفروقات الفردية لكل موظف وتستثمر في صحته النفسية ليتمكن من التميز والإبداع…