الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
يحكي المسلسل البريطاني “غزالي الصغير”- المستوحى من أحداث حقيقية عاشها الكاتب والممثل الرئيسي- عن “داني” الشاب الإسكوتلاندي إلى يعيش في لندن و يطمح أن يكون كوميديا لكنه غير موهوب يلاحقه الفشل ولا يحصل على الدخل الكافي فيضطر للعمل في حانة حيث يقابل “مارثا” المرأة الممتلئة التي يقدم لها كوبا مجانيا من الشاي فتتعلق به وتزوره في الحانة بشكل يومي تثرثر له عن عملها كمحامية وتختلط الأحداث وتطارده رغبة في الزواج به رغم أنه لا يبادلها الشعور لكنها تستمر في ملاحقته وإرسال الرسائل على بريدة الإلكتروني والتعليق على صوره في الفيس بوك وحضور العرض الكوميدي الذي يقدمه واستدرار عطفه بالمكوث خارج شقته لساعات طويلة في البرد والمطر فقط لتنظر إليه وتذكره بحبها وعندما يشفق عليها ويأخذها إلى منزلها يكتشف كم هي وحيدة ومع الوقت تتأرجح العلاقة بينهما بين صداقة وعداء وانجذاب ثم تنمر عداء مرة أخرى، ولعل هذا المسلسل يعرض تجسيدا عميقا للعلاقة بين المتحرش والضحية وكيف أن بعض الضحايا يكون علاقة غير سويه مع المتحرش رغم الأذى النفسي وأحيانا الجسدي الذي يصيبه ولعل المثل المصري “القط يحب خناقه” أقرب وصف لهذه العلاقة المعقدة حيث لا يوجد شخص طيب وشخص شرير لدرجة أنك تحتار وأنت تشاهد الأحداث مع من تتعاطف وتستمر في التساؤل لماذا يتصرف الأشخاص بهذه الطريقة؟ ولماذا عاد “داني” زيارة الرجل الذي اعتدى عليه جنسيا بعد أن اغراه بالمخدرات وحبوب الهلوسة لينتهي المسلسل مشهد دخول “داني” الى احد الحانات والشعور بالعطف من النادل الذي قدم له كوبا مجانيا من الشاي لينظر اليه داني بطريقة توحي بأنه سيقوم هو الآن بمطارة ذلك الشاب ليتحول من ضحية الى جاني وهو ما يحدث أحيانا مع بعض ضحايا المطاردة أو التعقب أو التحرش الجنسي.
يعرف علم النفس المطاردة بأنه نمط من السلوك غير المرغوب فيه الذي يشمل الملاحقة والمطاردة والتعقب الذي يسبب الضيق أو القلق أو الخوف على سلامة الضحية، ويستمر هذا السلوك حتى بعد طلب الضحية التوقف وقد يؤدي إلى هجوم جسدي أو اعتداء جنسي، أو حتى القتل.
ولعل التقدم في برامج التواصل الاجتماعي جعل المطاردة والتحرش الإلكتروني يضيف للضحية المزيد من الصعوبات حيث كشفت دراسة بحثية من الولايات المتحدة الأمريكية ونشرت في عام 2020 حول تعقب الرجال للنساء عبر الإنترنت أن مجموعة من المشاركين في الدراسة يميلون إلى التقليل من مخاطر المطاردة أو اعتبارها فعلا رومانسيا أو نوعا من الإطراء البريء. ”
يخبرنا علم النفس أن الوحدة التي يعاني منها العديد من الأشخاص في عصرنا الحاضر والتغير الجذري الذي حدث للعلاقات الاجتماعية أوجد مجموعة الأفراد الذي يفتقدون مشاعر الحب والحنان والاهتمام فيقع ضحايا للتعلق وإدمان التواصل مع الطرف الآخر والإلحاح على البقاء في تلك العلاقة حتى ولو كانت سامة أو غير صحية لأنها تستنزف من أوقاتهم وطاقاتهم فقط ليصبحوا عرضة للهجر ومحاولة البدء من جديد، لا نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب الوحيد فهناك العديد من العوامل النفسية مثل التجارب الأولى في مرحلة الطفولة وسوء إدارة العلاقات الشخصية وانعدام الثقة بالنفس تخلق تجعل كلا من الجاني الضحية بيئة خصبة للمطاردة والتحرش.
ولعل مسلسلا” غزالي الصغير محاولة حديثة وجريئة لعرض مفهوم نفسي جديد لظاهرة المطاردة وأسبابها خاصة وأنا الممثل الرئيسي يقوم بتجسيد أحداث جرت في الواقع وكان الأمر بالنسبة له محاولة للتعايش مع الرواسب النفسية لما تراكمت مع الوقت.