الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
تعد الهشاشة النفسية من المصطلحات التي ظهرت في أواخر التسعينيات، وتشير إلى الشخص الذي يلجأ إلى تضخيم وتهويل الأمور عند تعرضه لأبسط ضغوط الحياة، فيعدها كارثة، وينهار ويفقد الأمل، كما يعاني أيضا من ضعف الثقة بالنفس والتأثر بأي كلمة تقال وتحليلها بطريقة سلبية، والتعلق الزائد بالأخرين والحاجة الدائمة لوجود شخص يقدم له الدعم النفسي والمعنوي، ويسرف في اللوم وجلد الذات سرعة الاستفزاز عدم القدرة على التكيف مع التغيير، والمبالغة المفرطة في التعبير عن المشاعر كالبكاء، والغضب، والفرح بسرعة عدم تقبل الأخطاء البسيطة، كما ظهر مصطلح “رقائق الثلج” للتعبير عن الشخص الذي يعاني من الهشاشة النفسية لسببين، أولهما مستوحى من كون رقائق الثلج رقيقة جدا تذوب بسرعة كما يذوب الشخص، ويتهاوى أمام صعوبات الحياة، أما السبب الثاني يكمن في كون رقائق الثلج تنفرد في تشكيلها وتصميمها، كذلك الشخص الذي يعاني من الهشاشة النفسية يشعر بأنه متميز ومتفرد فتتكون لديه توقعات عالية من العلاقات الاجتماعية فينتظر من الجميع أن يحبه، ويعامله معاملة خاصة.
في كتاب “الهشاشة النفسية” للطبيب النفسي إسماعيل عرفة يلخص الكاتب بعض أسباب انتشار الهشاشة النفسية لدى البعض، ويشرح دور كل من الوالدين ووسائل التواصل الاجتماعي في ذلك. حيث يلعب الوالدين دورا كبيرا في تشكيل شخصية الطفل خلال سنوات الطفولة الأولى مما يؤثر في نظرته لنفسه والأشخاص من حوله، وقد يؤدي التدليل الزائد إلى تشكيل شخصية هشة فاقدة للثقة بالنفس تنتظر أن يقوم الوالدين بحل كل المشكلات التي يمكن أن تواجهها. فالطفل أو الطفلة اللذان تعودا على أن يعاملهما الوالدين معاملة الأمراء يتوقعون الحصول على هذه المعاملة من الجميع فيشعران بالصدمة أمام أول خلاف خارج المنزل. أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد سهلت تكوين العلاقات الافتراضية بين الأشخاص بضغطة زر ، كما أصبح الدخول في علاقات مع الجنس الأخرى أسهل بكثير من السابق، فيصبح التواصل في كل وقت، وكل مكان، وقد يتم خلاله تبادل الأسرار والمشاعر وقد يعبر أحد الطرفين للآخر عن حبه وإعجابه بعد فترة قصيرة من التعارف ربما محاولة لَمُلِئَ الفراغ العاطفي الذي يشعر به البعض في ظل انشغال الوالدين بالعمل أو بوسائل التواصل الاجتماعي هذا التفريغ العاطفي العشوائي قد يؤدي إلى تكوين علاقات هشة تنهار أمام أول اختلاف في وجهات النظر فيقوم أحد الطرفين بالانسحاب وحظر حساب الطرف الآخر بدل من النقاش معه وحل الخلاف بينهما، فيسارع احدهما أو كلاهما بالتعرف على صديق افتراضي جديد يملأ الفراغ العاطفي، وهكذا ،كما تقوم مواقع التواصل بتشجيع الهشاشة النفسية وتعزيز النرجسية وثقافة السلفي والفلتر الذي يبالغ في إظهار الجمال الزائف وتجميع الليكات والقيام بالمغامرات السخيفة أو الخطرة فقط للحصول على إعجاب المتابعين، كما تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي على أخبار الإثارة والتسويق وتسويق وتشتيت الدماغ بإعلانات البضائع المختلفة التي يروج لها المشاهير لمن يدفع أكثر، لذا ليس غريبا أن يعاني البعض من الملل فيقوم بتسريع والفيديوهات والمقاطع الصوتية فينشئ لدينا جيل يعاني من تشتت الأفكار وفقدان التركيز، وقلت الإنتاجية وهشاشة التعامل مع تحديات الحياة.
يتطرق الكاتب أيضا إلى ما يسميه بظاهرة ” الهوس بالطب النفسي والمرض النفسي ” التي بدأت بالمجتمعات الأوربية والأمريكية، وأصبحت “موضة أو ترند” وصل تأثيرها إلى المجتمعات العربية فنجد الشخص الذي تواجهه مشكلة ما يقوم بالبوح بها علنا ربما بحثا عن التعاطف ليقوم المتابعين بالطبطبة عليه وشتم من تسبب في تلك المشكلة دون معرفة التفاصيل، وقد يقترح البعض استشارة الاختصاصي أو الطبيب النفسي حتى لو كان الأمر لا يستدعي ذلك، ومع أن زيادة الوعي بالصحة النفسية شيء إيجابي إلا أن البعض يبالغ في طلب الاستشارة أو يستشير الشخص غير المناسب الذي قد يفتقر إلى الخبرة و الكفأة فقط لأنه مشهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يقدم النصيحة دون معرفة التفاصيل، أذكر أن أحد هؤلاء اقترح على إحدى المراهقات الهروب من المنزل لأنها تشعر أن والدها يقيد حريتها ولا يسمح لها بالخروج من المنزل وقتما تشاء.
ختامها لا بدَّ من القول بأن الهشاشة النفسية لا تقتصر على الشباب بل يمكن أن نجدها لدى الفئات العمرية الأخرى وليس القصد من هذا المقال التقليل من جيل الشباب بل تسليط الضوء على ظاهرة اجتماعية ودراستها وفهم أبعادها.