الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
يحكي المسلسل المصري “ليه لا؟ ” قصة الشابة “علياء” التي تهرب يوم زفافها وتهيم على وجهها في شوارع القاهرة وعندما تعود إلى المنزل ترفض تبرير موقفها وتشارك في مسابقة تبلغ جائزتها عشرين ألف جنية إسترليني شرطا أن تعيش وحدها مستقلة عن أهلها بشكل نهائي، لذا؛ نشاهد “علياء” تعيش في شقة وتعمل في مطعم وتتمشى مع صاحب المطعم الشاب في ساعات الفجر وتقيم حفلة رأس السنة في شقتها وتدعوا الشباب من الجنسين للحضور وعندما يتحرش بها أحد الحضور تتهمه ب “قلة الأدب”، ومن خلال الأحداث يبرر صناع المسلسل هربا “علياء” من أسرتها بسبب تدخلهم المستمر في حياتها وتحكمهم في قراراتها رغم أننا لا نجد من يجبرها للعودة إلى بيت والدتها لتستمر في العيش وحدها في شقة ، ولعل عنوان المسلسل وأحداثه محاولة لإقناع المشاهد بأن تصرف “علياء” عادي جدا ومن حق كل فتاة أن تحذو حذوها و “تطالب بحريتها” تدعوا الشباب من غير محارمها إلى شقتها وتخرج معهم في الليل ولا بأس أن تتشابك الأيدي و تتحاضن الأجساد خلال ذلك، وهكذا تواصل بطلة المسلسل العيش وحدها في شقتها بلا زوج أو أسرة، هنا نجد الإعلام الفاسد يساهم في غسيل الأدمغة ونشر ثقافة الانحلال الأخلاقي واعتبارها أمرا عاديا تحت شعارات التحضر والمدنية.
تتبادل وسائل الإعلام مصطلحا ” امرأة قوية ومستقلة” في محاولة لصياغة هوية جديدة للمرأة التي يروج لها الغرب منذ عقود من الزمن تحت شعار “تحرير المرأة” التي يعتبرها مكبوتة يتحكم المجتمع الذكوري رغم أن العديد من الدول تقوم بتوفير فرص الدراسة والعمل للجنسين وتعتبر المرأة في المجتمع المعاصر شريكة للرجل من حقها العمل والتطور الوظيفي مثل الرجل لكننا نسمع من وقت لآخر عن الجماعات المغرضة التي تروج لبعض الأفكار الهدامة وتدعو المرأة إلى الانسلاخ من مبادئ وقيم الدين الإسلامي الذي كفل لها حقوقها، يقول المولى -عز وجل- “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” وفي الحديث النبوي الشريف يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن النساء: “إنهن شقائق الرجال”، مع مراعاة الاختلاف في التكوين النفسي والجسدي لكل منهما “وليس الذكر كالأنثى” لذلك نجد المساواة التي يروج لها دعاة “تحرير المرأة” مخالفة للفطرة التي خلق الله الناس عليها،. فهم يبيعون الوهم لأغراض سياسية واقتصادية بحتة دون النظر إلى العواقب الاجتماعية الناتجة عن ذلك، ففي المجتمعات الغربية نسمع عن جماعات تنصح النساء العاملات المنهمكات في الوصول إلى مراكز وظيفية قيادية بتجميد البويضات ليتم تلقيحها من الزوج أم ” من الرجل المناسب ” – أذا ما اختارت المرأة أن تبقى عازبة – بعد أن تحقق المركز القيادي المرموق وتتفرغ لتكوين “أسرة” قبل أن يدركها التقدم في العمر ويصبح جسدها غير قادر على إنتاج تلك البويضات، فليس من الغريب لديهم أن يأتي اللهاث لتحقيق المناصب الوظيفية قبل تكوين الأسرة وتلبية غريزة الأمومة في سلم الأولويات لديهم بغض النظر عن عواقب الانهماك في العمل وتحقيق الذات على الصحة النفسية والجسدية للمرأة التي يغرقونها أيضا بالسلع التجارية والماركات الفخمة من ملابس وحقائب وأدوات التجميل التي تخفى تجاعيد التقدم في العمر فتمنح المرأة – والرجل أيضا – ذلك الشعور الزائف في الشباب الدائم المتجدد. لذلك نجد بعض الأعمال الدرامية تروج لفكرة المرأة القوية المستقلة من منظور تحد وتنافس لسلطة “المجتمع الذكوري” المسيطر. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا يمكن أن تكون المرأة الأم التي توازن بين وظيفتها وواجباتها تجاه زوجها وأولادها امرأة قوية ومستقلة؟ لماذا يجب الاختيار بين الأمرين رغم أن التعارض بينهما ليس من الفطرة؟ لماذا يجب أن تستنزف المرأة العاملة شبابها في اللهاث وراعي المركز الوظيفي على حساب الاستقرار الأسري؟
ختاما، يحضرني قول الشاعر المصري حافظ إبراهيم “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”، فلنحرص على إعداد بناتنا على الفطرة التي تصمد أمام محاولات غسيل الأدمغة التي تروج لها بعض الجهات والجماعات.