الصحوة – خلود الخالدية
يعد العنف الأسري أسلوب إكراه وتهديد بمختلف أنواعه سواءً كان نفسيا، اقتصاديا، لفظيا، رقميا، جسديا أو جنسيا، حيث الأخير يكون غالبا من قِبَل شريك الحياة، ولكن يمكن أن يكون العنف ناتجا من أحد أفراد الأسرة، ويعد العنف الأسري شائعا، وتعاني منه فئة النساء غالبا في مختلف الأعمار، ويمكن توضيحه على أنه أي فعل مؤذي قد يصدر ضد أي شخص كان.
وفي ظل الظروف الراهنة ازدادت نسبة العنف ضد النساء بشكل ملحوظ بناءً على ما تشير إليه تقارير الأمم المتحدة.
وتنتشر غالبا ثقافة لوم الضحية في مختلف المجتمعات، خصوصا المحافظة والذي يعتبر المجتمع العماني منها، فيتم التبرير لمرتَكِب العنف وإعطاء مبررات له بينما يقوم البعض بإلقاء اللوم على الضحية، خصوصا إذا كان المعنّف من الأسرة، وقد يسود المجتمع حالة من الهلع أو الانكار، حيث يقوم المجتمع ككل بإنكار المشاكل التي تحدث فيه دون أن يبحث عن الحلول لهذه المشكلة وكيفية التعامل معها، وهذا ما حدث عندما أطلقت حملة “لا تسكتي” لهاشتاق المطالبة بخط ساخن لبلاغات العنف الأسري ووصول الهاشتاق للترند الأول مع محاولات البعض التهكم والسخرية والتقليل من القضية المطروحة وإنكار وجودها، ليتم بعدها توقيع عريضة للمطالبة بذلك، فقامت وزارة التنمية الاجتماعية في أغسطس العام المنصرم بالرد على ذلك في حسابها الرسمي بتويتر بأن الخط (1100) وهو الخط الخاص بحماية الطفل يقوم بتلقي بلاغات العنف الأسري مع استنكار شديد من بعض المتابعين أن الخط هذا لم يكن مفعلا لفترة، بالإضافة إلى أنه لا يستقبل بلاغات لمن هم فوق السن القانوني، واستنكار البعض أنه يجب على الذي يتلقى العنف وهو فوق السن القانوني أن يلجأ لشرطة عمان السلطانية، ليأتي الرد من آخرين أن الخوف وربما التهديد قد يجعل الضحية غير قادرة على البلاغ، والالتزامات الاجتماعية من جهة أخرى، وأكدت الأستاذة بشرى بنت يوسف الكندية ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية عند استضافتها في برنامج حواء على الهواء في إذاعة مسقط أف أم أنه لا توجد آلية متبعة للتعامل مع بلاغات العنف الأسري الواردة على خط حماية الطفل سوى إرشاد المعنفات للاتصال أو التوجه نحو أقرب مركز شرطة والبلاغ عن حالة العنف.
حملة “لا تسكتي” التطوعية العمانية لاقت هجوما عنيفا من مختلف فئات المجتمع رغم مناصرتها لقضية العنف ضد النساء قانونيا ونفسيا وقد حاول البعض إسقاط الحملة عبر التركيز على التوجهات الفردية للعضوات والمتطوعين دون الالتفات لنص القضية التي تدعمها الحملة، وقد قامت الحملة منذ نشاءتها في السادس والعشرين من شهر يونيو لعام ألفين وعشرين حتى شهر فبراير من هذا العام 52 جلسة دعم نفسي و46 استشارة قانونية، وهو عدد ليس بالبسيط لحملة تطوعية قامت بدون دعم من الحكومة، وبالتأكيد أعداد من لم يصلن لهذه الحملة أضعافا مضاعفة.
في اليوم الثاني والعشرين من مارس 2021م غرد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بتغريدة يصف فيها الرجال المعنفين لنسائهم بالحمقى، وأن مثل هذه الأفعال لا تمُّت للدين بصلة، ولن تصدر إلا من جاهل بالدين والأخلاق وغير متدبر للقرآن وعدم تفكرهم في هدي الرسول والسلف الصالح، رغم هذا لاقت التغريدة معارضين ومؤيدين، كما لاقت مبررين للعنف واعتباره تأديبا للنساء، ومستنكرين للوصف الذي وصفه الشيخ، وقد يثبت لنا ذلك أنه يوجد خلط واضح بين التأديب والعنف، باعتبار أن البعض يرى أن التعنيف يُعتَبر تأديبا.
وتشير احصائيات شرطة عمان السلطانية عام 2013 أن اجمالي الإساءات التي وقعت على النساء 598 إساءة، وتعرض 84 حدثا منهن للإيذاء وهتك العرض والاهانة، كما أشارت إحصائية دار الحماية الأسرية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية في نفس العام أن عدد النساء العضل واللاجئات للدار حوالي 34 امرأة، وقد تكون الأرقام والاحصائيات أكبر بكثير بناءً لكثرة الأسباب التي تمنع المعنفة لطلب المساعدة.
بالنسبة للصحة النفسية للمعنفة فقد ذكر الأستاذ محمد اللواتي أخصائي نفسي وداعم لحملة لا تسكتي، أن المتعرضة للعنف أيًّا كان نوعه هي عرضة للإصابة لإضطرابات نفسية كثيرة، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية، وهلوسات، وقد تظهر هذه الاضطرابات على شكل أمراض نفسية، كالصداع النصفي، وقد تؤدي تراكمات العنف على مر السنين إلى أمراض خطيرة ومميتة كالسرطان والصرع، ويؤثر ذلك بالطبع على الأسرة، وعلى الأطفال خصوصا، وأن أغلب المشاكل السلوكية في المجتمع كان السبب الأول فيها هو خروج الفرد من بيئة معنفة، وغالبا ما يقوم الأفراد في المجتمع بإنكار أن للعنف أضرار بالإضافة لتبريرهم للعنف بقولهم (انضربنا وما صار فينا شيء)، لكن ذلك لا يتم تقييمه منهم وإنما يتم تقييمه من المختصين، وأحيانا ما يتم تبرير العنف أنه من الحب، كضرب الأم لطفلها، فالمحب لا يعنف أيا كان نوع ذلك العنف.
وقد اهتم القانون العماني بوضع أسس وقوانين لمعاقبة القتلة بالسجن المطلق أو الإعدام إذا كان متعمدا والسجن لمدة ثلاث سنوات إلى سبع إذا لم يكن متعمدا وبنفس العقوبة لمن اعتدى على شخص وأحدث له عاهة دائمة، والسجن مدة 3 أشهر إلى 3 سنوات مع غرامة مالية لكل من آذى شخصا وأدى لتعطيله عن حياته وأعماله لمدة 30 يوما، والسجن لعشرة أيام إلى 6 أشهر إذا لم يفضِ إلى تعطيله، والسجن لمدة 3 إلى خمس سنوات لكل من اعتدى على امرأة حامل عمدا وبدون رضاها وأدى ذلك لإجهاضها، وهنالك قوانين أخرى للسب والقذف والتهديد وكذلك للحد من العنف الرقمي، أي الابتزاز أو التهديد الالكتروني .
العنف الأسري ظاهرة منتشرة بكثرة في دول العالم أجمع، عالميا، ما يقدر بنحو 736 مليون امرأة قد تعرضن للعنف بأنواعه ما عدا العنف الجنسي، أي أن امرأة من كل ثلاث قد تعرضن للعنف، و137 امرأة قُتِلت على يد أحد أفراد أسرتها كل يوم، وتمثل النساء البالغات ما يقارب 49% ومع الفتيات الصغار يمثلن 72% من ضحايا الاتجار بالبشر، وأقل من 40% من النساء المتعرضات يلجأن لطلب المساعدة، رغم اصدار 155 دولة على الأقل قوانين بشأن العنف الأسري، و 140 دولة لديها قوانين بشأن التحرش الجنسي في مكان العمل.
من وجهة نظري الشخصية أنه يجب التعامل مع قضية العنف الأسري بمنتهى الجدية فالأسى الذي يحدث للمرأة ينتقل للأسرة والأسرة هي المجتمع، بالتالي إذا أردنا اصلاح المجتمع فيجب القضاء على مسببات فساده، يجب توفير خط ساخن وآلية سهلة مع إشارة أو شيفرة للواتي يصعب عليهن التحدث والإبلاغ عن العنف بالحديث الواضح، الخط الساخن مهم جدا ولو ساهم في إنقاذ شخص واحد فقط، ويجب على وزارة التنمية الاجتماعية الجدية في تطوير دار الحماية الأسرية (دار الوفاق) وتسهيل إجراءات الوصول إليه، والمساهمة بتوعية المجتمع، فإن غياب الوعي سبب رئيسي لزيادة نسبة التعنيف لكل فئات المجتمع، وأيضا يجب تشديد القوانين التي تخص العنف بمختلف أنواعه، والمجتمع لن يصلح إلا بصلاح أفراده، وانكار وجود المشكلة لن يعمل على حلها، العنف ظاهرة موجودة وإن لم نرَها مرأى العين فذلك لا ينفي وجودها.