الصحوة – أ.شرين السنانية
مما لا شك فيه أن الحكومة الرشيدة تسعى جاهدة لتطويع القوانين في خدمة الوطن، ومن ينعم في خيراتها من المواطنين والمقيمين فجاءت الفكرة باعتماد تراخيص لإنشاء ما يُعرف بمكاتب سند للخدمات والتي أُنيطت إليها مهمة كتابة وطباعة مختلف المعاملات، وهي مهمة نرى في ظاهرها الفائدة، ولكن ما إن نتعمق في جوهرها تتضح لنا الكارثة، وهنا نتساءل هل يحق لمكاتب سند تقديم الاستشارات القانونية وصياغة صحائف الدعاوى وممارسة غيرها من أعمال المحاماة؟ ومن هو الرقيب عليها؟ ومن الجهة المعنية بتحديد ما تختص به وما لا تختص به مكاتب سند؟
جميعها أسئلة قد نجد الإجابة عليها ولكن بلا شك لن تكون الإجابة كافية؛ لقصور التنظيمات القانونية والتي تعني بمكاتب سند في السلطنة، ولقد تبين هذا من خلال التجارب التي خُضتها مع مكاتب سند؛ ففي ذات مرة طلب أحد المواطنين من أحد مكاتب سند إعداد وصياغة صحيفة دعوى تجارية ضد أحد شركات التأمين، وتجاوزت قيمة المطالبة خمسة ألاف ريال عماني، وقد أبدى الموظف الذي يعمل بمكتب سند استعداده التام للقيام بصياغة صحيفة الدعوى، وبعد انتهائه من صياغة الدعوى التي ختمها بطلب” إلزام المدعى عليها بأن تؤدي مبلغ ومقداره خمسة وعشرون ألف ريال قيمة الأضرار والخسائر المادية”التي تعرض لها”، أشار له بالتوقيع على صحيفة الدعوى وتقديمها للمحكمة الابتدائية المختصة، وحرر له إيصال بقيمة خمسة ريالات قيمة إعداد وصياغة صحيفة الدعوى، كما أبدى استعداده التام أيضًا بصياغة كافة مذكرات الرد والتعقيب والطلبات العارضة وصياغة صحف الاستئناف بكافة أنواعها والإشكالات وغيرها من الأعمال المتصلة بمهنة المحاماة. قُدِّر لي أن التقي بذلك المواطن قبل أن يشرع بتسجيل تلك الصحيفة أمام المحكمة الابتدائية المختصة، وبعد أن عرض صحيفته علي وبعد الاطلاع عليها تبين لي أن الدعوى مآلها عدم القبول لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون؛ وسند ذلك أن المادة 31 من قانون المحاماة نصت على أنه: “لا يجوز للشركات والمؤسسات التجارية رفع دعوى تزيد قيمتها على خمسة آلاف ريال إلا عن طريق محام. ولايجوز للأفراد رفع دعاوى مدنية أو تجارية أو ضريبية تزيد قيمة أي منها على خمسة عشر ألف ريالا عمانيا إلا عن طريق محام.” حيث أن الثابت هو أن قيمة الدعوى بحسب الطلبات تتجاوز الخمسة آلاف ريال كما تتجاوز الخمسة عشر ألف ريال، ودون توقيع من محامٍ وإنما وُقِّعت من شخص لا يملك صفة المحامي، وعليه تكون هذه الصحيفة مخالفة للقانون مما ستقضي معه المحكمة بعدم قبولها، ولا شك أن المحكمة عند قضائها بعدم قبول الدعوى، سيخسر ذلك المواطن المسكين الرسوم البالغ قيمتها ثمانمائة ريالٍ عماني، وذلك عملًا بنص المادة 183 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، وعليه أن يعيد دفعها مرة أخرى إذا ما قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، وبمناسبة هذا جعلت اسأل بل اتسائل عن التبعات والرسوم التي تتجاوز سبعمائة ريالٍ عماني، من ذا الذي سوف يتحملها إذا ما قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى ؟!!! ولذلك فإن ما تقْدم عليه مكاتب سند من ممارسات لأعمال المحاماة إنما هيه مخالفات صارخة لقانون المحاماة حسب ما ورد في المادة الثالثة من قانون المحاماة ، والتي تنص على الأعمال التي يختص بها المحامي دون سواه. والجدير بالذكر أن أغلب هذه المكاتب تقع بالقرب من كل محكمة من محاكم السلطنة.
وعليه أتقدم بالشكر الجزيل لوزارة العدل والشؤون القانونية ممثلةً بدائرة شؤون المحامين ودائرة الشؤون القانونية التي كانت وما زالت تفرض دورها الرقابي على مثل هذه المؤسسات عند مباشرة أي عمل من أعمال المحاماة دون الحصول على التراخيص اللازمة، كما نلتمس منها تكثيف فرض الرقابة لحماية المواطن من الوقوع في مثل هذه الأخطاء الجسيمة، والتي بلا شك ستكلف المتقاضين خسائر فادحة لا خَلاص منها، ونوصي على أن أي مكتب من مكاتب سند يثبت تورطه في ممارسة أي عمل من أعمال المحاماة إحالته مباشرة للإدعاء العام على اعتبار أنه مارس تلك الأعمال دون الحصول على ترخيص من الجهات ذات الاختصاص، و أختم أخيراً بأن مهنة المحاماة مهنة عظيمة لا يتقن فنها إلا من علم أسرارها والله الموفق.