الصحوة – شريفة التوبية
كل هذا القلق الذي يعتريني الآن لا شك أنه يعتريكم، كل هذا الخوف الذي يسكن روحي يسكن أرواحكم أيضاً، الفرق بيني وبينكم أني أحاول التخلّص من خوفي وخوفكم بالكتابة، فلم يعد هذا الخوف شأن خاص بي، بل شأن عام ومشترك بيننا جميعاً، نتشاركه ونتقاسمه كما نتقاسم رغيف الخبز كل صباح ومساء.
منذ متى ونحن نعرف الخوف؟ منذ ولدنا، منذ تلك اللحظة التي أنتزع فيها الأمان من قلوبنا وشعرنا بأيٍد غريبة تتخطفنا، تُعلّقنا من أقدامنا بلا رحمة، تضربنا على مؤخراتنا، فيسكننا الخوف لولا أيدي أمهاتنا الحنونة. لقد وُلِد هذا الخوف معنا، حتى ظنناه قدر من أقدارنا، تربّينا معه وكبرنا معه وربما أحببناه وألفناه، فمنذ أن كنا صغاراً كانوا يرعبوننا بالحكايات المخيفة حتى ننام، نغمض أعيننا خوفاً من أن نرى ” حمرا بنت خصف ” وهي تنظر إلينا بعينيها الحمراوين، نخاف من الجنيّة التي تأتي لسرقتنا ومن الساحر المتربّص بنا خلف الباب، حتى أصبحنا نخاف من الليل ونجومه وقمره، وقد امتد خوفنا من كل شيء حتى من ضوء النهار، وأحياناً لا نفهم سر ما نحن فيه من خوف، لكن علينا أن نخاف كي نسلم.
ينام الخوف معنا ويستيقظ معنا، نرتديه مع ثيابنا، يسير معنا، يجلس في الكرسي الأمامي بالسيارة ونحن في شارعنا المزدحم، نشربه مع فنجان قهوتنا المُرّة، ونتناوله مع قطعة الحلوى، فأي شيطان هذا الذي يجعلنا بكل هذا القلق الخفي الذي ينهش سلام نفوسنا وأمانها؟ يعترينا الخوف من كل شيء حتى أصبحنا نبحث عن الحماية ونمشي تحت ظل الجدران، مؤمنين أننا لن نكون في أمان حتى نطيع من يملكون حق الوصاية علينا، فاحتمينا بالطاعة العمياء لعلها تبعد عنا شبح الخوف من عدم الرضى أو الإقصاء.
وفي خضّم هذا الخوف نسينا قول كلمة” لا”، نسينا أن تكون لنا كلمتنا الخاصة ورأينا الخاص وحياتنا الخاصة، فكنا نوافق ونتفّق ونرضى ونسلّم بالأمر الواقع المفروض علينا، فالخوف كل الخوف من أن يصبح لنا رأي مختلف، أو نخرج خارج القطيع فيأكلنا الذئب، ولم نعلم إلا متأخراً أن الخوف هو الذئب الذي كان يأكلنا، ولم ننتبه إن بتلك الطاعة العمياء والانقياد كنّا نغذّي ذئب الخوف فينا، حتى أصبح رفيقنا وصديقنا الذي نثق به.
ومع هذا الخوف الذي شربناه مع حليب أمهاتنا، صبرنا على الأذى والخذلان، وأحببنا دور الضحية أمام قسوة الجلاد، وأُصبنا بالرعب من فكرة التخلّي والبُعد، فتمسّكنا بتلك العلاقات المسمومة رغم انتهاء صلاحيتها مؤمنين ” أصبر على مجنونك لا يجييك أجن منه”، وبذلك أصبحنا مهيئين للطاعة والسير كما تشاء الأنظمة الاجتماعية ….. إلخ، وبالتالي لم تعد هناك صعوبة في ترويض ذلك الشخص الجامح فينا، فلا نخطو خطوة إلا والخوف حارس شخصي معنا.. أليس من المضحك المبكي أن نحتمي من الخوف بالخوف؟