من أين نبدأ من الطلاق أم الزواج ؟
▪ إن ظلم الأزواج للأزواج أعرق الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية.محمد الغزالي
يتداول هذه الأيام سؤال يقول ( ماهي أسباب كثرة الطلاق؟). وأدلى كل بدلوه. مئات الأسباب التي شارك بها الناس تنوعت بين : الخيانة وعدم الرضا المادي والمقارنات بالغير و الغيرة والشك وغلاء المهور وغيرها الكثير. ونعرض منها مشاركة أحد الشباب ( عادل الزدجالي ) حيث كتب في تغريدته: ( ١- تدخل الأهل ٢- عدم توازن الأفكار والتطلعات ٣- المستوى التعليمي بين الطرفين ٤- قلة الإهتمام من الطرفين لحد الوصول للبرود العاطفي ٥- كثرة سهر الزوج خارج منزله٦- الزواج في سن مبكّر جدا) ، بينما شاركت الشابة ( عاشقة عمان ) بتغريدة تقول : ( عدم تحمل المسؤلية من كل الطرفين لأنهم تربوا على الإتكالية وتفاجؤا بالحياة الزوجية). وفي حساب ( تصويت عمان ) قام صاحبه بإجراء تصويت لثلاثة أسباب للطلاق حصل فيها سبب عدم فهم الطرف الآخر على أعلى نسبة ( ٥٩٪) بينما كان المركز الثالث لسبب سوء الإختيار بنسبة (١٨٪ ) بينما رجح الناس وجود أسباب أخرى لم يحددها صاحب الإستطلاع فأختاروا خيار ( غير ذلك ) بنسبة ( ٢٣٪) بينما لم يحصل خيار الأسباب المادية على اية أصوات.
ولا يمكن مناقشة الطلاق وأسبابه دون مناقشة الزواج وظروفه. فلا طلاق دون زواج! هذا بديهي طبعاً ولكننا لم نتعرض إلى نقاش أسباب الزواج فنحن في الغالب نركز على مناقشة أسباب الطلاق وبهذا فنحن نناقش النتيجة وليس الفعل المسبب لها.
حسنا لنبدأ بسؤال لماذا نتزوج ؟
ورغم تفاهة السؤال إلا انه في الحقيقة سيكشف أن البشر في كافة بقاع الأرض يتفقون في بعض الأمور ويختلفون في بعضها الآخر. وَمِمَّا يتفقون فيه : أنهم كبشر يبحثون عن الشريك الذي يستقرون معه لينشؤوا نواة أسرية خاصة بهم فالإنسان بطبيعته كائن إجتماعي ويعيش في جماعات ، كما أن البشر يقبلون على الزواج لتلبيه حاجات غريزية خُلقت فيهم. بالطبع هناك طرقاً غير الزواج لتلبيتها ولكنها تعد طرقاً غير شرعية وغير مقبولة إجتماعياً في المجتمعات المحافظة ولا تمتاز بالديمومة التي يوفرها الزواج، كما أن الزواج يوفر لك شريكاً خالصاً لك وهذا بحد ذاته سبب كافي للإقبال عليه.
أما بالتركيز في الثقافة العربية الإسلامية فإن الزواج مرتبط بالعفاف وحفظ الفروج عن الحرام ، ويرى الكثيرين من أن تأخر سن الزواج في الوقت الحاضر هو الذي يجعل مناعة الشباب عن ممارسة الحرام الشباب هشة ، فنحن في زمن الفضاءات المفتوحة والحدود المفتوحة أيضاً التي تسمح للمتاجرين بالبشر أن يمرروا بضاعتهم الجنسية إلى كافة أسواق العالم. ورغم الجهود المبذولة للحد منها إلا أنها لم تستطع أن تحمينا كلياً منها. كما أن الزواج هو الطريق إلى التكاثر والنسل في الثقافة العربية ذو أهمية كبيرة فنرى الأمثال تقول : من غلبك بالمال تغلبه بالعيال أو كل مولود يأتي رزقه معه و العيال عزوة وسند … الخ
أما الدين الإسلامي فيقال أن الزواج نصفه ( الزواج نصف الدين) ومن هنا تأتي الأهمية التي يوليها المسلمون لأمر الزواج. فقد تناول القرآن الزواج من وجهتين فنجد قوله تعالى : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) ويقول تبارك وتعالى:( المال والْبَنُون زينة الحياة الدنيا). فالزواج والنسل هي متع دنيوية زائلة
ومُلهية ولكن الإنسان ُجبل على حُبها. أما الأحاديث النبوية فكثيرة ومن أهم الأحاديث التي شكلت والوعي الجمعي :
-قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله.
-وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر.
-وقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني.
-وقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): تزوجوا فأني مكاثر بكم الامم يوم القيامة.
لهذه الأحاديث دلالات كثيرة وعواقب أيضاً فمثلاً في الحديث الأول إشارة أن الفقر لا يجب أن يكون عائقاً أمام الزواج وقد ننجح فعلاً في تخفيض المهور والقناعة بفقر الزوج وتحقيق الزواج. ولكن ماذا بعد الزواج ؟ الكثير من أسباب الطلاق تتعلق بالظروف الإقتصادية. و تحث الأحاديث على الإنجاب ؟ نعم لها دور كبير في تشكيل وعي المسلم فنرى أن الإنجاب في المجتمعات الإسلامية كبير بل انه يزداد كلما زاد فقرها. أما علاقة الفقر بالإنجاب فإنها حالة تشمل كافة المجتمعات وليس الإسلامية فقط ولكن في المجتمعات الإسلامية يمنح الدين شعوراً بالرضا والقبول رغم أن خيار الإنجاب الكثير في حالة الفقر خيار خاطئ فهو يزيد من التحديات الأسرية ويضيق الخناق على أفرادها.
ومن هنا نجد أن الدين والمجتمع يلعبان دوراً مهماً في قرار الزواج في مجتمعاتنا العربية أقرب للإجبار منه للخيار إلا أن يكون الرجل من غير أولي الأربة وتلك حالات نادرة.
كيف واجه المجتمع التحديات؟
حسناً فكما أسلفنا أن الزواج في مجتمعاتنا ليس خياراً فردياً خالصاً ولكنه يحمل في طياته ضرورات دينية وإجتماعية لهذا نجد المجتمع بأسرة يتبنى( قضية تأخر سن الزواج) كهم عام يسعى الجميع إلى إيجاد حل له. ومن الحلول التي بادر المجتمع بها:
١- تكافل المجتمع وتنظيمه لحفلات الزواج الجماعي
٢- تبني ممثلي مجلس الشورى فكرة إنشاء صندوق الزواج ( وهي فكرة على الرغم من عدم تحققها ولكنها خرجت من المستوى المجتمعي وصعدت إلى مستوى الدولة وهو مستوى أعلى في التراتبية).
٣- توجيه الدولة خطاباً يحث المجتمع على خفض المهور ( فجلالة السلطان حث على ذلك ، كما أن الخطب الدينية – التي تحددها الدولة متمثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – تحث المجتمع بإستمرار إلى خفض المهور.
٤- التوظيف . لعب التوظيف دوراً كبيراً بعد ٢٠١١ وتوحيد جدول الرواتب وأدى ذلك إلى زيادة معدلات الزواج في صفوف شباب صغير نسبياً أي الأعمار بين ( ١٩- ٢٥) سنة فحسب المركز الوطني للإحصاء كان عام ٢٠١٢ هو الأعلى في إصدار شهادات الزواج حيث تم إصدار أكثر من ٢٩ ألف وثيقة زواج ، بينما كان عام ٢٠١٦ هو الأدنى في إصدار شهادات الزواج حيث بلغ ما تم إصداره ٢٤ ألف وثيقة. بالطبع للأزمة الإقتصادية وتفاقمها وإنخفاض التوظيف دور كبير في إنخفاض عدد المتزوجين. كما أن العامل الإقتصادي له دور كذلك في زيادة نسبة الطلاق وإنخفاض معدلات الزواج.
هل كانت الحلول جزء من المشكلة ؟
إن كنا نجحنا في زيادة نسبة الزواج فهل خلقنا مشكلة أخرى مثلا:
١- صغر السن وتحمل المسؤولية.
نشوء أسر من شباب صغير لم يختبر تحمل المسؤولية بعد فهو قد خرج من رعاية أهله له إلى إمساكه بزمام عائلة خاصة به دون المرور بشيء مشابه فقد يواجه تحديات كثيرة فهل يملك هذا الشاب من الصبر الشيء الذي يجعله يواجه تحدياته بتروي أم سيسلك طريقاً سريعاً كطريق زواجه السريع ويلجأ للطلاق مباشرة ؟! هذا عصر السرعة والبدائل السهلة فيجب علينا أن نواجه أنفسنا فهل نحن ممن أن كسرنا شيء نقوم بجبره وإصلاحه أم إننا نرمي به في أقرب سلة مهملات وهممنا بشراء بديل مكانه. إن نمط سلوكياتنا يقول عنا الكثير ويكشف لنا ردود أفعال قد لا نتوقعها.
٢- المعرفة والتوافق الفكري.
لايمكن للشريك أن يعرف شريكه بحق دون الدخول في الحوار والنقاشات. الكثير من الذكور والأناث يضعون التوافق الفكري في آخر قائمة أولوياتهم التي قد تبدأ ب : أريده/ ها جميل/ة أو غني/ة طويل/ة رشيقة أو وسيم أو عنده بيت الخ الخ.
ونختم بأبيات للألباني – رحمه الله- وأظن فيها إصلاح كبير لما تم نقاشه من معضلات:
ليس الزواج ستار أطماعٍ وما تغني عن اللب الشهي قشور
ليس الزواج لنزوة عابرة ذاك انفعالٌ فتنة تغرير
إن الزواج وظيفة ومهمة ورعاية وتحمل وصغير
إن الزواج تصبرٌ وتجلد وعناية ما حقها التقصير
إن الأبوة خدمة وقيادة وتودد وتعقل وأمور
أمر بكل فضيلة في أهله للمكرمات يقودهم ويسير
إن الأمومة عطفها لا ينقضـي ومقامها في التضحيات كبير
كان النبي معلماً في أهله وهو الرسول مبشر ونذير
فاطمة بنت ناصر