الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
عندما كان ابنائي صغارا كان أحدهم يجلس الى جواري أحيانا في حديقة المنزل قبيل الغروب ويقول “أبي ، أشعر بالملل ” ، كنت أفكر مليا قبل أن أجيبه ، فماذا على أن أقول ؟ هل أجيبه “كيف تشعر بالملل و لديك جهاز الايباد و العديد من الكتب ؟” أو ” عندما كنت في عمرك لم يكن لدي وسائل الرفاهية التي تمتلكها الان ولم أتذمر من الملل ” ، لكني أجد أن كلا الإجابتين لا تفي بالغرض فاقترح عليه أن نخرج في نزهة قصيرة.
يعرف علم النفس الملل بأنه ” شعور سلبي ينتج عن نقص في الإثارة العصبية لدى الانسان و يصحبه بعض المشاعر مثل عدم الرضا والغضب و فقدان الدافعية للقيام بأي نشاط “، وتقدر الدراسات البحثية بأن حوالي ٩١ إلى ٩٨٪ من الشباب- اغلبهم من الذكور – يشعرون بالملل بشكل يومي.
ورغم أن الملل شعورطبيعي نشعر به من وقت لآخر ولا يعتبر من الأمراض النفسية الا أنه مرتبط ببعض المشاعر السلبية مثل الحزن و الاكتئاب والقلق وانخفاض الأداء الأكاديمي والوظيفي مما يؤدي الى زيادة وقوع الأخطاء المهنية وحوادث السيارات بسبب إنخفاض الدافعية و قلة التركيز، كما أن الملل قد يدفع البعض الى القيام بسلوكيات غير صحية مثل إدمان ألعاب الفيديو او مواقع التواصل الاجتماعي و أحيانا إدمان الخمور أو المخدرات.
تعددت أسباب الملل وتعتبر الرتابة والقيام بالمهام الروتينية المتكرره من أهم أسباب الملل ربما لان الدماغ يتخذ وضعية الطائرالآلي المساعد الذي يقوم بمساعد قبطان الطائرة في القيام ببعض المهام أثناء قيادة الطائرة ، كما يسبب الشعور بالفراغ وعدم وجود ما يشغل به الفرد وقته من أسباب الملل الشائعة ، و تشير الدراسات الحديثة أن الاستخدام المفرط للهاتف الذكي والتطبيقات والالعاب المختلفه يمكنه أن يؤدي الى الإصابة بالملل عند محاولة التوقف عن إستخدام الهاتف لان تلك التطبيقات ومحتوياتها ترفع مستوى التحفيز والإثارة في الدماغ فيجد الأنشطة الاعتيادية ممله ، لذا نجد الشخص يتجنب التحاور مع الأخرين لان حديثهم لا يمنحه نفس درجة الإثارة التي يجدها في الهاتف الذكي ، ويرى بعض علماء النفس دور السمات الشخصية بين الافراد الى مدى إصابتهم بالملل ، فالأشخاص الانطؤائين يمكنهم البقاء في المنزل وقراءة كتاب او مشاهدة التلفاز لايام دون الشعور بالملل بينما الأشخاص المغامرين الذين يهوون المغامرات والتخييم والرياضات الخطرة يصابون بالملل اذا لم يتمكنوا من الخروج الى الهواء الطلق وممارسة هذه الهوايات ، وعندما ينعدم الوعي العاطفي لدى الفرد فلا يستطيع تحديد أهدافه في الحياة ومسببات السعادة لديه فانه يقع فريسة للشعور بالملل والفراغ المزمن.
أخيرا يوصي علماء النفس ببعض المهارات التي يمكنها أن تقلل من الإصابة بالملل مثل ممارسة الهوايات والتأمل والتنزه في الطبيعة والهواء الطلق والاسترخاء والتواصل مع الأشخاص الإيجابيين الذين يبعثون في النفس الامل والتفائل وحب الحياة .