الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
المجتمع بأفراده ومؤسساته عليه استيعاب الاختلاف الناجم عن وجود فئات متنوعة من الأفراد، والناتجة عن أسباب متفاوتة، من خلال سن التشريعات والقوانين التي تكفل لهم الحماية والعدالة والمساواة بعد وصول سن البلوغ، ضماناً لحياة كريمة ولائقة تسد الحرمان الذين يلازم حياتهم لفترة طويلة من الزمن، بتوفير السكن والعمل كمطلب حياتي مهم وضروري جداً لإدماجهم مع المجتمع، مع أهمية مواصلة جهود المتابعة وتقديم التوجيه المناسب لهم، عبر تنظيم الملتقيات السنوية أو الدورية مثلاً، والتي تراعي خصوصية هذه الفئة وتساهم في تثقيف وتغيير نظرة المجتمع.
فرعاية الأطفال المحرومين في مجتمعنا ينبغي أن تتجاوز مسألة توفير المأكل والمشرب والمأوى المؤقت والاسم واللقب العائلي، لتركز من خلال الخبراء والمختصين وحملة المؤهلات العلمية العالية كمخرجات علم النفس وعلم الاجتماع، على تقديم الرعاية النفسية والعاطفية والاجتماعية لهذه الفئات حتى بعد سن 18 عام.
شُعيب على سبيل المثال وليس الحصر مضى سبعة وعشرون سنة من عمره، بين قسوة السنين وومضة الأمل، سافر فيها بأحلامه بعيداً باحثا عن أمنياته الضائعة وأحلامه المخملية منذ كان طفلاً صغيراً حتى صار شاباً يافعاً، جاب فيها الأرض عرضاً وطولاً باحثاً عن احتواء يليق بإنسانيته، لكن حقيقة أنه ابن بالتبني دائماً ما كانت تؤرقه وتقض مضجعه، حتى بدت أحلامه تتبخر رويداً رويداً وجراحه النازفات تكبر أكثر وأكثر، ليقرر على حين غرة مغادرة هذا العالم بلا عودة.
فكم انتحب وبكى مع نفسه وحيداً بعيداً عن عيون البشر، وكم كان صعب عليه استيعاب حقيقة حياته في كنف أب وأم غير حقيقيين، فرغم محاولاته تقبل هذا الواقع، إلا أن عقله وقلبه لم يكن يتحملان الأصوات التي تتهامس من حوله سراً أحياناً وعلناً في أحيان أخرى “شُعيب اللقيط”.
كبر شُعيب، وكبر معه صوت الأسى حتى شاخ الصمت فيه ونطق الكتمان في وجوده، ليقدم بكل براءة في كتابة شخبطاته على الرمل، ويبوح بشكواه لضوء القمر، هارباً من نظرات متنمرة وقسوة قلوب متحجرة، أوصلته إلى ما وصل إليه من أسى وأذى نفسي دون ذنب جناه أو خطأ اقترفه، وإنما هو ضحية لفعل غير معلوم السبب.
سار شُعيب وحيداً بلا هدي ولا موجهات أو مسارات واضحة في طريق معقد الخطوات، وها هي الأزمات تسحقه والمصائب تحل عليه من كل صوب وحدب، حتى كثرت صورة الأموات داخل ضلوعه، إلى أن قرر إسقاط آخر الورقات ليُخبرنا أن التنمر انتصر على الإنسان، وأن الهفة التي كانوا يتهموه بها ما هي إلا صورة من صور الانهيار والاصطدام بحقيقة أنه ابن غير شرعي، وأن الحياة بمعناها الحقيقي تستوعب الجميع نأمل أن لا يكون مجرد وهم، فالمجتمع بكافة أطرافه مسؤول مسؤولية تامة عن هذه الفئة بمقتضى القوانين الموضوعة سابقاً، أو تحديثها وتطويرها وبما يواكب التغييرات كلما أمكن ذلك.