ترجمة: صفية الشرجية
على جزيرةٍ استوائيةٍ نائية في المُحيط الهندي، كان رجل يلبس شعر مستعار يختبئ في الأدغال لساعات. مسلحٌ ببندقية، ويخطط لقتل آخر ثلاثة عينات باقية على قيد الحياة من الطيور الغريبة. هذا للأسف هو السيناريو التي يتكرر يومياً في أغلب الغابات والجزر في العالم. يقول وزير السياحة في دولة سيشل “ديدير دوجلي”: “من الطبيعي أن ترى البيئة والتنمية في أعناق بعضها البعض.” يقوم نموذج سيشل -كما يسميه دوجلي- على مبدأ أنًّ التطوّر السياحي لا يضر بالبيئة، بل إنه يُحسِّنها بشكل إيجابي. هذا يبدو قليلاً بعيد المنال. فكيف يمكن للمسافر العالمي أن لا يضع بصمة مؤذية على الرمال البيضاء المثالية الواقعة في نظام بيئي هش مثل نظام دولة سيشل؟ وحتى بالنسبة لمشغل الرحلات الأكثر مسؤولية واهتماماً، فعادةً ما يكون السؤال: كيف نُخفِّف الضرر على البيئة؟
لقد غطَّت بذور الفكرة على عدد من جزر سيشل في التسعينات، ولا سيما الجزيرة الشمالية التي اشتراها روّاد السياحة البيئية Wilderness Safaris في عام 1997. وتملك الشركة أوراق اعتماد قوية بعد أن أسَّست رحلات السفاري في جميع أنحاء الجنوب الأفريقي والتي حوَّلت عائدات السياحة للمساعدة في إنقاذ عشرات الأنواع المهددة بالانقراض. تحوَّل اهتمامهم الآن إلى نقطة واحدة فقط الجزيرة. كانت الجزيرة الشمالية عبارة عن فوضى. فبعد أن كانت مزرعة جوز هند كبيرة، مليئة بالحيوانات المختلفة كالطيور البحرية، ولآلاف من السلاحف العملاقة، والنباتات والحيوانات التي تكتظ وتزدحم بالسكان الأصليين، بما في ذلك الأنواع المستوطنة النادرة منها والموجودة فقط في سيشل. أصبحت منطقة غير مأهولة للعيش بسبب التلوث الذي لحق بها.
لمَعت فكرة عبقرية في الأذهان في إعادة الجزيرة إلى مَجدها الطبيعي السابق، والحصول على سائحين أثرياء قادرين على دفع ثمن مبالغ عالية مقابل الاستمتاع في الجزيرة وخدماتها. كانت خطَّة جريئة! فقد تم بناء 11 فيلا فاخرة، تكلّف الإقامة في كل منها عدة آلاف من اليورو في الليلة الواحدة. تم بناء الفلل بين أشجار تاكاماكا وأشجار جوز الهند على طول الشواطئ الرملية البيضاء. كان الأمل والهدف الأساسي هو استقطاب أغنى أغنياء العالم. وذك لما تتمتَّع به الجزيرة من عوامل فريدة من نوعها: كالتَّرف الخُرافي، والخصوصية التامة، والرغبة في عمل شيء إيجابي لكوكب الأرض. وهذا ما حدث فعلاً! فتقول الشائعات أن جورج كلوني كان أحد ضيوف الجزيرة. ويقال إنَّ بيكهام زارها. كما أننا نعلم أن دوق ودوقة كامبريدج أمضيا شهر العسل في الجزيرة الشمالية.
يقول دوجلي: “بدلاً من بناء فندق ومن ثم تجميل المكان بأشياء غريبة، فإن أصحاب الفنادق والمستثمرين في الجزر الصغيرة مثل الجزيرة الشمالية قاموا بشيء عجيب وبناء كل شيء حوله. إنهم يجعلون كل شيء يبدو حقيقياً. فقد أحضروا السكان الأصليين بزيهم التراثي وعاداتهم وأنشطتهم القديمة، مما يجعل ذلك عاملاَ ساحراً لجلب للسياح والذين يبقون في الجزيرة لفترة طويلة. نعم إنها الفنادق الصديقة للبيئة. أعتقد أن هذا نموذج مُدهش.”
وزارة السياحة في دولة سيشل تروّج الآن لسياسة “جزيرة واحدة وفندق واحد”. حيث سيمكن لرجال الأعمال في الفندق من التقدم بطلب للحصول على الدخول الحصري إلى ركن صغير في جزيرة ما، والتي تم تخصيصها وتحديدها على أنها مَحمية سيشل الطبيعية. ومن أعظم إنجازات الفندق أنهُ يمنع استخدام قناني المياه البلاستيكية، وتم استبدالها بزجاجات قابلة لإعادة الإستخدام. تغيّر النظام البيئي في الجزيرة، تمت زراعة مشاتل مرجانية، لتعود السلاحف الخضراء مُجدداً للشواطئ، تصحبها الطيور بتغريدها في سماء الجزيرة لتُعلنَ أنّ الاهتمام والحفاظ على البيئة حق لجميع الكائنات. يقول “أندريه بورغ”، وهو أحد الموظفين القدامى لأشهر سلاسل الفنادق العالمية: “شيء ما في هذه الجزيرة غامض! كنتُ مستقلاً في مهنتي. ثم وصلت إلى منصب المدير العام في “هيلتون لابريز” هنا في سيشيل وفكرت كيف سأظل على قيد الحياة في هذه الجزيرة؟” يقول السيد بورغ أنه وجدَ نفسه يستمع إلى صوت الجزيرة، والرسالة كانت واضحة: “عليكَ أن تتبع شغفك. المُستقبل هو الاستدامة.”