الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
من مقتضيات الطبيعة البشرية للإنسان أن يتواصل مع بني جنسه عن طريق المعاملات حتى يستطيع بمقتضاها إشباع حاجياته المتعددة والمختلفة، مما استدعى أن تكون هذه العلاقات ضمن إطار قانوني منظم لضمان عدم التعدي على حياة الاخرين، ورسم الحدود التي تعمل على بيان ماهية الحقوق والواجبات، ومما لاشك فيه بسبب هذه الطبيعة يقدم كل فرد على عقد حالة قانونية معينة مع الآخرين بين حين وآخر تجعله بمناسبتها ملتزمًا ومسؤولًا، وحتى يتمكن ذلك الأفراد من خلق تلك الحالة القانونية، يتبع أشكالا مختلفة من الالتزامات، قد تعتمد بعضها على إرادته، وقد تتكون دون أن تتجه إرادته لإحداثها، تعرف هذه الأشكال بمجملها في عرف القانونيين (بمصادر الالتزام).
الالتزام هو واجب قانوني له مصادره أي أسباب منشئة له حددها قانون المعاملات المدنية وهو :(العقد، التصرف الفردي، الفعل الضار، الفعل النافع، والقانون)؛ إلا أن ما يعنينا في هذه المقالة هو القسم الأول من مصادر الإلتزام الذي يعرف بالمصادر الإرادية والمتمثلة في العقد والإرادة المنفردة؛ فالعقد كأول مصدر من مصادر الالتزام الإرادية هو توافق إرادتين أو اكثر على ترتيب أثر وآثار قانونية معينة، ومن خلال مبدأ سلطان الإرادة يترتب على الإلتزامات الإرادية نتائج مهمة: أولا/ أن للأفراد الحرية الكاملة في التعاقد وإبرام ما يشاءون وذلك مع مراعاة مقتضيات النظام العام والاداب العامة، ثانيا/ حرية تحديد اثار التعاقد، ثالثا/ العقد قانون المتعاقدين وهو يعرف كذلك (بالعقد شريعة المتعاقدين)، ورابعًا/ انصراف اثار العقد إلى المتعاقدين؛ وعلاوة على ما سبق قد يسبق هذا العقد مقدمات تهيئ له البيئة المناسبة ولعل أبرزها مسألة الوعد بالتعاقد وهو موضوع المقالة .
يعد الوعد بالتعاقد أحد أهم الطرق التي يمارسها بعض الأفراد في تعاملاتهم مع بعضهم البعض، وبالتحديد عندما يرغبون في إبرام اتفاقيات وتصرفات ينتج بصددها آثار قانونية، والذي يثار بمناسبته تساؤلات عديدة تتعلق بعضها بمفهومها وأركانها، ويتعلق البعض الاخر بآثارها، ويرجع أهمية تناول موضوع كهذا هو المسؤولية التي تقع على الأفراد ما إن قاموا بإتباع هذه الطريقة لإحداث تلك الآثار القانونية التي تكون في الغالب هدفها إشباع حاجاتهم المتعددة والمختلفة.
إن الوعد بالتعاقد ” هو عقد بمقتضاه يلتزم شخص يسمى الواعد بقبول إبرام عقد في المستقبل مع شخص يسمى الموعود له إذا أظهر الموعود له إرادته في التعاقد معه خلال مدة معينة”، وأيضا يعد الوعد بالتعاقد “هو الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل”، ويستنتج من ذلك أن الوعد هنا هو ليس العقد المقصود إبرامه بل هو الوسيلة إليه وإلا لجأ المتواجدان إليه مباشرة؛ الوعد بالتعاقد له خصائص أهمها: (١/ هو عقد يحتاج لوجوده توافق إرادة الطرفين (إرادة الواعد وإرادة الموعد له)، وهو يتميز عن مجرد الايجاب وذلك على أساس أنه يتكون من إيجاب اقترن بقبول مطابق، وليس مجرد ايجاب، ٢/ لا يعتبر الوعد بالتعاقد عقد تبادلي، إذ أن ليس هناك إلتزامات على الطرفين بل في جانب الواعد فقط، هذا بحسب الاصل إلا أن هناك استثناءات)؛ كما يشترط لصحة الوعد أو بالأصح ليكون عقدا ملزمًا، توافر شروط الانعقاد العامة والصحة اللازمة للعقود بصفة عامة والمتعلقة بالرضا والمحل والسبب والأهلية والسلامة من عيوب الإرادة، والاتفاق على المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، وإلى جانب ذلك يشترط الشكلية والموضوعية واقتران الوعد بمدة ويعد ذلك من ضمن الأركان الخاصة بالوعد بالتعاقد.
أما عن مسألة آثار الوعد بالتعاقد فإن جمهور الفقهاء في الفقه ذهبوا إلى القول بأن بالرغم من أن الأفضل على الواعد أن يفي بوعده لأن ذلك من مكارم الأخلاق ومن قيم الإسلام، إلا أنهم رأوا بأنه مستحب، وعليه إن شاء الواعد الوفاء وفى وإن لم يفي فليس عليه جناح؛ وفي المقابل بعض الفقهاء ذهبوا إلى القول بإلزامية وفاء الواعد وجوبا، وعليه فإن بالنسبة لهم ذلك يرتب أثار، أقسمه على مرحلتين.
١/ مرحلة ما قبل قبل إظهار الموعود له رغبته في العقد الموعود به:-
في القانون إن الوعد بالتعاقد لا يلزم الموعود له بشيء وذلك على اعتبار أن العقد غير تبادلي، أما بالنسبة للواعد فيلتزم بمقتضى الوعد البقاء على وعده وخصوصا في حال ما أبدى الرغبة، وعلى سبيل المثال الامتناع عن القيام بعمل يحول دون تنفيذ العقد الموعود له وإلا لوقع تحت المسائلة وربما في بعض الحالات للمسؤولية التقصيرية، وذلك دون أن يكون في المقابل أي ادوات ايجابية، وهذا ما في ما إن أظهر رغبته في إبرام العقد؛
ومن البديهي أنه قبل إظهار الموعود له رغبته في العقد الموعود به لا يترتب عليه أي اثر من الاثار التي تترتب على العقد النهائي.
٢/ المرحلة التالية لإبداء الرغبة أو حلول الميعاد،
إذ ما ظهر الموعود له رغبته في إبرام العقد النهائي فإن هذا العقد يعتبر منعقدا بمجرد إظهار هذه الرغبة، دون الحاجة إلى اجراء اخر وذلك على اعتبار سبق وأن ظهر الرضا، كما أن لتحقيق هذا الاثر يجب أن يكون إظهار الموعود له رغبته خلال المدة المحددة وإلا أسقط الوعد بإنقضائها، وفي حال توفى الموعود له قبل إظهار الرغبة فإن حقه ينتقل إلى ورثته.
في هذه الحالة العبرة هنا تتحدد بوقت إظهار الرغبة، كما أن يترتب على إظهار هذه الرغبة حين إذًا جميع الاثار التي يرتبها العقد الموعود به، وإن أخل أحد المتعاقدين بإلتزاماته كان للاخر إجباره على تنفيذها أو طلب فسخ العقد، وبهذا الصدد تنطبق القواعد العام التي تنطبق على العقود بشكلٍ عام؛ إضافة لذلك، إن العقد الموعود به قد انعقد بمجرد إظهار الموعود له رغبتة، لذى فإن حكم المحكمة بوجود العقد يعد مقررا، ولكن تظهر بعض الحالات الحاجة للحصول على حكم خاصة كالوعود المتعلقة بالعقارات.