الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
يقود حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، جهود التطوير والتحديث والإصلاح في نهضة عمان المتجددة على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والتنموية، من أجل رقيّ وازدهار عمان وشعبها الأبي لكي ينعم بحياة سعيدة وكريمة يستطيع من خلالها تلبية متطلباته واحتياجته الأسرية، فالإنسان العماني كان وما زال وسيظل هدف التنمية وغايتها من منطلق أنّ الدول لا ترقى ولا تتقدم إلا برقيّ وتقدم شعوبها، وبحكم المسؤولية الحديثة الملقاة على الدولة لإسعاد شعبها، إذ أنّ التغيير في مفهوم وظيفة الدولة القى عليها أحمالاً جديدة وثقيلة .
ولا شكّ بأنّ هذه الجهود الحثيثة تواجه تحديات صعبة للغاية يكاد تنوء من هول وضخامة حملها الجبال، وهي بطبيعة الحال تحديات داخلية تفرض نفسها وبإلحاح شديد لتتصدر كافة الأولويات، مثل قضية الباحثين والمسرّحين من العمل، وقضايا الرعاية الصحية والتربوية والاجتماعية ومواضيع الكهرباء والماء والمواصلات، ومستوى دخل الفرد، وغيرها من القضايا الأخرى التي تعنى بالوضع الاقتصادي والتنموي،كقضية التنويع في مصادر الدخل الوطني، وجلب رؤوس الأموال القادرة على الاستثمار بهدف رفع عائدات الدولة ومستوى دخل الفرد، في مسيرة طويلة المدى، ذلك أن الحلول الوقتيّة لم تعد تتناسب مع أدوات العصر، وإن هي إلا كالذي يأخذ جرعة من المخدر سرعان ما ينتهي تأثيره دون حلٍ جذري للمشكلة.
أما التحديات الخارجية فهي كثيرة متنوعة، ولعلّ أهمها ؛ الحروب والنزاعات المسلحة التي تدور هنا وهناك؛ فهي تلقي بظلالها وكوارثها على الاقتصاد العالمي إن كان بشكل مباشر أم غير مباشر، وتذبذب أسعار النفط وعدم استقراره وما يتهدد الحاجة على هذه السلعة في قادم الوقت، ناهيك عن التوقعات العلمية بنضوبها أصلاً، والتزاحم والتسابق المحموم بين الدول نحو الهيمنة الاقتصادية الجديدة، ووضع اليد ولو بالقوة على ثروات ومقدرات بعض الشعوب في ظل غياب واضح وبمستويات متصاعدة تحط من شأن القيم الأخلاقية والأعراف الدولية، إذ أصبحت قاعدة ” الغاية تبرر الوسيلة ” هي المسيطرة، إلا من رحم ربي .
ولا أريد أن أكون سوداوياً في نظرتي للمستقبل؛ ولكني أعتقد جازمًا بأنّ العالم مقبل على حروب اقتصادية تسونامية في جنونها وقوتها، صليبية في أهدافها وغاياتها، نووية وكيماوية في أدواتها وتأثيراتها وسيكون الشعار المرفوع حينئذٍ ” البقاء للأقوى ” ولعلني لا أهذي في هذا الشأن ، وأسأل الله أن تخيب توقعاتي .
وممّا لا شك فيه، أن الأغلبية الساحقة من العمانيين تؤمن وبشدة بحكمة سلطان البلاد المعظم الثاقبة ورؤيته المستنيرة وجهوده الحثيثة، وهم يقفون وراء قيادته صفاً واحداً. فقد أثبتت الأيام صدق الإرادة وقوة العزيمة وحرص القائد على متابعة كل صغيرة وكبيرة حتى خلال الظروف الصعبة أثناء جائحة كورونا.
على الصعيد الخارجي كان يسافر جلالته إلى بلدان العالم ليبني شراكات اقتصادية مع هذه الدول، ويستقبل في مسقط رؤساء الدول ومبعوثيها لذات الغرض، حيث تكللت تلك المساعي الخيرة النبيلة بتوقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الاستثمار المتبادل وفي المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا بحق يعطي دروساً للمسؤولين والمواطنين في التفاني والإخلاص للوطن، فالمسؤولية عظيمة لا يُدركها إلا العظماء من القادة، وهو بهذه الدروس إنما يؤْثر المصالح العليا للوطن والمواطن على نفسه وصحته وسلامته . فهل من مدكر ومقتدٍ بهذا النهج السلطاني السامي الراقي .
وعلى الصعيد الداخلي فإنّ حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على ترؤسه شبه المستمر لجلسات مجلس الوزراء وتوجيهاته وأوامره السامية للمجلس، هو مشهد من مشاهد الإيمان بسمو الرسالة التي يحملها لوطنه وشعبه ورغبته الأكيدة للوقوف على كافة الأمور وادقها التي تسهم في مسيرة النهضة المتجددة، فالظروف دقيقة والمرحلة حساسة لا وقت للتراخي والتهاون فيها، فالعمل الجاد المتواصل وحده القادر على صناعة الفارق في الإنجاز، وقطار الزمن يسير بسرعة متناهية لا ينتظر المتأخرين عنه؛ فالدول كلها تتزاحم للحاق به، وهذا الوضع لا تدركه إلا قيادة واعية لكل المعطيات التي تدور من حولنا.
إنّ الزيارات التي يقوم بها جلالة السلطان المعظم للمحافظات واللقاءات التي يعقدها مع شرائح مختلفة من المواطنين سواءً المعلن عنها أو غير المعلن تجسد إحدى دعائم الحكم في السلطنة، والمتمثلة في الشورى والتلاحم الشعبي بين القيادة والمجتمع، والتي تصب في خانة التكامل في الرؤى والأفكار؛ لتذليل الصعوبات التي قد تعترض سبيل التقدم الحضاري لبلد يأبى إلا أن يكون في مصاف الدول المتقدمة .
ويكشف مشروع قانون الحماية الاجتماعية المعروض حالياً على مجلس عمان بصفة الاستعجال عن إنجاز وطني مرموق بامتياز، يهدف إلى سعادة وكرامة المواطن العماني ليعيش مرفوع الهامة عالي الرأس.
وإذا كنا قد قلنا في صدر هذا المقال بأنّ الأغلبية الساحقة من العمانيين تؤمن بكافة الخطوات التي تقوم بها الدولة في العهد السعيد، فإنه وممّا لا شك فيه- وهذه طبيعة البشر- توجد فئة قليلة لا تدعم جهود التطوير والتحديث والإصلاح وهذه الفئة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف :
الصنف الأول، صنف سلبي لا يدرك واقع الأمور ولا يبالي بالإجراءات والتدابير التي يتم اتخاذها ويقف موقف المتفرج.
والصنف الثاني، هو كذلك سلبي ،ولكنه يزيد عن الأول أنه صنف مثبط يتسلل لواذًا، يبغي الفتنة ويعمل على التقليل من المنجز إما لمرض في نفسه وإما انسياقاً وراء اجندات خارجية مسمومة وهذا الصنف أخطر من سابقه .
أما الصنف الثالث وهو أشد خطورة من الاثنين، وفيه بعض المسؤولين- أشدد على كلمة البعض – يرفضون منهج التطوير والتحديث والإصلاح جملة وتفصيلاً وقد يكون ذلك بسبب قصور في الإدراك؛ لما يحدث في الداخل والخارج من مستجدات وتغيرات في كافة مناحي الحياة، وقد يكون ذلك للحفاظ على منافع شخصية والخوف على ضياعها أو فقدان كرسي المنصب وتصدر الصفوف الأولى في المناسبات بخناجرهم الفضية اللامعة، وفي سبيل تحقيق رغبتهم يرفعون شعارات مثل الخصوصية العمانية التي لا نختلف على وجودها لكن يجب عدم إقحامها في كل صغيرة وكبيرة أو غيرها من الشعارات الأخرى التي يتم ترديدها في كل ميدان ومحفل يُوهمون أنفسهم والآخرين بأنّ ذلك خوفاً ولمصلحة الوطن. ولعمري أنّ هذا الصنف هو العائق الحقيقي لمسيرة النهضة المتجددة وعلى الإرادة السياسية العليا، وكم من مرة حذرنا منهم في ثنايا مقالات ذات صلة، وشدّدنا على ضرورة التخلص منهم؛ إذ لا مكان لأمثال هؤلاء في قطار الزمن ليجلسوا عليه .
لقد أعلن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد بأنّ النهضة المتجددة ماضية في طريقها بعزيمة واصرار العمانيين وإخلاصهم وتفانيهم، ولن تتوقف أبداً مهما كانت الصعوبات والمعوقات، فلتبارك السماء جهود جلالته نحو الرقي والتقدم وليحفظ الله عمان وسلطانها وشعبها عزيزة شامخة ترقى نحو آفاق المجد والسؤدد .
رفقاً بعمان يا قوم فأنتم أمناء على هذا البلد وأهله والمقيمين على ترابه، فقد اختاركم ولي الأمر لحمل هذه الأمانة؛ فكونوا على قدر الثقة التي أولاكم إياها، واجعلوا مصالح عمان فوق مصالحكم الشخصية، وليكن ذلك شغلكم الشاغل في كل عمل تقومون به، وفي كل حرف تخطه أقلامكم، وفي كل تصريح أو قول تنطقون به، اقرأوا فكر وتوجهات ورؤية جلالة السلطان المعظم واتخذوا من مقامه السامي القدوة والمثل الأعلى.
وفي الختام أقول ؛ إنّ هذا الحديث نابع من القلب للوطن فإن صادف الصواب فذلك هدفي وغايتي، وإن جانب الصواب فليغفر الله لي .