الصحوة – أسماء المقحوصيَّة
في ظل التَّطورات الهائلة في عالم الطّب أصبحت عملية نقل الأعضاء وزراعتها في شخصٍ آخر أكثر سهولة من ذي قبل ولكن، ما هي الأعضاء التي يستطيع الشخص التَّبرُّع بها وهو على قيد الحياة؟ وماهي الأعضاء التي يمكن التّبرُّع بها بعد الوفاة؟ وما هي المخاطر المحتَملة على المتبرِّع والمتبرَّع له؟ وهل ثمَّة شروط معيَّنة يستلزم توافرها في الشخص حتى يستطيع التَّبرُّع بأعضائه؟ وما رأي الشَّرع في مسألة التًّبرٌّع بالأعضاء؟ وما هي جهود السَّلطنة في توعية النَّاس بأهمية هذا الفعل النَّبيل؟
أعضاء التَّبرُّع
أوضحت الدُّكتورة أ. البلوشية –طبيبة أسرة ومجتمع- أنَّ الأعضاء تنقسم إلى قسمين، منها ما يمكن التبرُّع به عندما يكون الشَّخص على قيد الحياة كالتَّبرٌّع بكلية واحدة وجزء من الكبد، وكذلك التَّبرُّع بالنُّخاع العظمي، والقسم الثاني من الأعضاء التي لا يمكن التَّبرُّع بها إلَّا بعد الوفاة وهي القلب والرئة والبنكرياس.
خطورة
وقالت البلوشيَّة أنَّ عملية التبرُّع بجزء من الكبد لا يشكِّل خطورة على حياة الشَّخص في حالة إذا كان الشخص سليمًا تمامًا وكتلة جسمه مناسبة، ولا يعاني من مشاكل صحيَّة، ولا يمتلك عادات صحيَّة سيئة كالتدخين –مثلًا- وأضافت أنَّ احتمالية الخطورة الوحيدة تكمن في مخاطر العملية الجراحيَّة نفسها، كاحتماليَّة حدوث النزيف أثناء العمليَّة، ومخاطر التَّخدير بعد العمليَّة.
أمَّا بالنِّسبة للمخاطر المحتملة على الشخص المتبرَّع له فتنحصر في احتماليَّة رفض جسمه للعضو، وقد يكون الرَّفض فور دخول العضو الجديد إلى الجسم، أو بعد مدَّة من الزمن، قد تكون قصيرة أو طويلة، كل ذلك يعتمد على طبيعة جسم الشَّخص.
شروط
وأضافت البلوشيَّة أنَّ عمليَّة التَّبرُّع بأي عضو تستوجب عمل الفحوصات اللازمة والدَّقيقة والشاملة للتأكُّد من المطابقة التَّامة بين الطرفين (المتبرِّع والمُتبرًّع له) كفصيلة الدم وغيرها، ويجب التأكُّد أيضًا من عدم احتواء جسم المتبرَّع له على مضادات تحارب العضو الجديد.
وذكرت البلوشيَّة عدة مواصفات يجب توافرها في الشَّخص المتبرِّع وهي: يفضَّل أن يكون من أقرباء الدَّرجة الأولى للمتبرع له كالأب والأم والإخوة والأخوات؛ وذلك لزيادة احتماليَّة توافق الجينات وفصيلة الدم والأنزيمات، كذلك يجب أن تكون المستقبلات متطابقة بين الطرفين، ويجب أن يكون المتبرِّع سليمًا لا يعاني من أمراضٍ مزمنةٍ كارتفاع ضغط الدَّم ومرض السُّكري والكوليسترول، ونقص أنزيمات الكبد أو ارتفاعها، أو نقص في وظائف الكلى.
واختتمت البلوشيَّة حديثها بقولها أنَّ التَّبرُّع بعضو من أعضاء شخص سليم لا يجب أن يُهدِّد حياته بالخطر، ففي دراسة حديثة بيَّنت أنَّ 97% من المتبرعين يتمتَّعون بصحةٍ جيدةٍ حتى بعد التَّبرُّع بـ10 أعوام.
رأي الشَّرع
تحدَّثت أنكه ساندرة بوزنيته –دكتورة بقسم العلوم الإسلامية بكلية التَّربية بجامعة السُّلطان قابوس- عن الحكم الشَّرعي للتَّبرُّع بالأعضاء وذكرت أن هذه المسألة خلافيَّة بين الفقهاء ولا يوجد حكم قطعي لها، ولها تفاصيل كثيرة فالحكم الشَّرعي لتبرُّع الإنسان الحيّ يختلف عن تبرُّع الإنسان الميِّت، ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى اختلاف فهم الفقهاء وعلماء الدِّين للأدلة الشَّرعيَّة.
وأجمع غالبيَّة الفقهاء على جواز التَّبرُّع بالأعضاء في حالة الضَّرورة مع الأخذ بعدِّة اعتبارات منها: ضرورة موافقة الميِّت على التَّبرُّع بأعضائه أو موافقة ولي الأمر على ذلك، بالإضافة إلى التأكُّد من أنَّ عمليَّة التَّبرُّع لا تضر بالشَّخص المتبرِّع –في حالة كان حيًّا- وكذلك عدم جواز التَّبرُّع بالأعضاء التَّناسليَّة؛ لأنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب.
تأييد
وتقول فاطمة الوهيبية –شخص مؤيد لفكرة التبرع بالأعضاء- أنَّها مع فكرة التَّبرُّع وترغب بالتَّبرُّع بأعضائها بعد موتها؛ وذلك بهدف ترك أثرٍ طيب بعد الوفاة، وأضافت: “وجدت أنَّ جثتي قد تساهم في مساعدة مريض، وهذا الأمر أفضل بكثير من أن يأكلها الدُّود”

وتذكر الوهيبية أنَّها استحضارًا لقوله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة: “ومَنْ أحياهَا فكأنَّما أحيا النَّاسَ جميعًا” قامت بتعبئة الاستمارة المتعلِّقة بالتَّبرع بالأعضاء من خلال تطبيق “شفاء” الذي أُطلق من قبل وزارة الصِّحة عام 2021م.
وتضيف الشَّيماء الغنيمية أنَّها مع فكرة التَّبرُّع بالأعضاء وذلك لأنها تعتبر أنَّ الإنسان عليه أن يكون خيِّرًا ويستمر في العطاء حتى بعد موته، وذكرت أنَّ البشرَ عبارةٌ عن روحٍ وليسوا أجسادًا فحسب، فالجسد هو وسيلة للعيش فقط، وقالت إنها استندت في رأيها على الفتوى التي تُبيِّن أنَّ الإنسان إذا كان هدفه السعي إلى الخير ومساعدة الآخرين في التَّخلصِ من آلامهم يكون ذلك بمثابة الصَّدقة الجارية التي تستمرُّ معه حتَّى بعد موتِهِ.
معارضة
ويقول س. الشرياني –شخص ضد فكرة التبرع- أنه مُعارِض وبشدَّة لفكرة التَّبرع بأعضائه بعد وفاته، وعلَّل ذلك بقوله: “أنا أريد نهاية طبيعية لجسدي بعد وفاتي وهي الدفن وليس إلى المشرحة”، وأضاف أنَّه مقتنع برأي علماء الدِّين الذين لم يجيزوا التَّبرع بالأعضاء بعد الوفاة؛ لأنها ملكٌ للخالق الذي صنع المخلوق.
جُهود
توالت جهود السَّلطنة لتوعية النَّاس بأهمية التَّبرُّع بالأعضاء، فقد أوضح الدكتور أحمد البوسعيدي –رئيس الرَّابطة العمانيَّة لزراعة الأعضاء- هذه الجهود والمتمثِّلة في إنشاء البرنامج الوطني لتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية في مارس 2021، وبعدها إنشاء الرَّابطة العمانية لزراعة الأعضاء في شهر يونيو 2021، وفي الثَّالث عشر من نوفمبر من نفس العام تمَّ تنظيم الندوة الوطنيَّة الأولى للتَّبرُّع بالأعضاء تحت رعاية معالي وزير الصحة الموقَّر الدُّكتور أحمد بن محمد السَّعيدي ومشاركة فضيلة الشَّيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، وتم مناقشة الجوانب الشرعيَّة والقانونيَّة والأخلاقيَّة والطبيَّة لهذه المسألة.
وأضاف البوسعيدي كذلك أنه في ديسمبر من نفس العام تم تدشين التطبيق الإلكتروني “شفاء” للتبرع بالأعضاء من قبل وزارة الصحة والذي يحتوي على استمارة تسمح للشخص بالموافقة على التبرع بأعضائه بعد الوفاة.
وأشار البوسعيدي إلى أنَّ التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو الأهم؛ لأنه الحل الوحيد للكثير من المرضى الذين يعانون من الفشل العضوي وليس لديهم متبرِّع، مثل مرضى الفشل الكلوي الذين يبلغ عددهم حوالي 2264 مريضًا ويعتمدون على الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيًّا.
وتحدَّث البوسعيدي عن جهود الرَّابطة العمانيَّة لزراعة الأعضاء، وذكر أنها تعمل في مسارين في مجال التَّوعية، حيث يهتم المسار الأول وهو المجتمعيّ بإقامة المحاضرات لعامَّة النَّاس، وتفعيل وسائل التَّواصل الاجتماعي، والمسار الثاني هو مسار الكادر الطبي الذي يقوم بتقديم المحاضرات والنَّدوات لتوعية الكادر الطبي في مجال زراعة الأعضاء.