الصحوة – علي بن محمد الحامدي
في إحدى المبادرات التي طرحها بنك مسقط لصالح شركات SME، وهي عبارة عن برنامج تدريبي خاص بتأهيل رواد الأعمال في إدارة أعمالهم التجارية.
كنت ضمن المشاركين في ذلك البرنامج وعلى مدى ثمانية أشهر تقريبا بمعدل ثمان ساعات في الاسبوع الواحد.
أحد الكورسات المطروحة في هذا البرنامج كان حول الموارد البشرية (HR)، ومقدم هذا الكورس كان شابا عمانيا يتحدث بلباقة وعمق في الطرح. الشاهد أنه طرح علينا مفهوما اعتبرته جديدا، وذلك في عملية اختيار وتعيين الموظفين في المشاريع والاعمال الخاصة بنا كرواد اعمال. وبالأخص في مؤسساتنا الصغيرة والتي لا تكاد تحتمل أي خطأ في توظيف الكوادر البشرية في مختلف المستويات الإدارية والفنية والعمالية.
لقد طرح علينا مفردة باللهجة العمانية الدارجة وخصوصا في محافظة الداخليه …المسكرب…نعم ..ابحثوا عن المسكرب في مقابلات التعيين..وإذا عثرتم عليه فلا تتردوا مطلقا في توظيفه..هكذا أوصانا وبكل ثقة.
فمن هو المسكرب؟؟ وما هي أهم صفاته والتي تجعلك حينما تتعرف عليه وتتأكد منه، أن لا تتردد في تعيينه؟؟..
المسكرب كما ذكرنا هي مفردة باللهجة العمانية الدارجة وتستعمل في محافظة الداخلية خصوصا. وقد يتم استعمالها في محافظات أخرى ولكن بمسميات ومفردات مختلفه.
المسكرب مفردة يطلقها أهل البيت في الأسرة الواحدة على الشاب والشابة المبادريين دوما في خدمة المنزل. وخصوصا في إنجاز أعمال الصيانة التي يتطلبها المنزل بشكل دائم.. فهو يحمل دوما معه إداة فك المسامير والتي يطلق عليها في اللهجة العمانية الدارجة ..السكروب.
لا ينتظر الإذن من أحد…بمجرد أن يرى شيئا يتطلب الإصلاح يبادر إليه..فهو الذي يصلح ما يتعطل من حنفيات أو مواسير. وهو الذي يزيل ما قد يعلق في أنابيب التصريف بالمغاسل من أوساخ وعلائق تعيق حركة المياه المصروفه..وهو الذي يقوم باستبدال المصابيح الكهربائية العاطلة ومفاتيح الكهرباء التالفة..وهو الذي يصلح ما قد يتعطل من الأجهزة الإلكترونية بالمنزل..وهو الذي يقلم أشجار المنزل ويعتني بها..وهو الذي يقوم بدور الأب في المنزل في حال غيابه..فيعتمد عليه أهل البيت في قضاء حوائجهم كلها لحين عودة الأب..
وهي التي تبادر إلى صنع مختلف أنواع الأطباق في المنزل وتبادر إلى تعلم كل أنواع المأكولات بلا ضجر او تأفف..بل عن قناعة ورغبة..وهي التي تقوم بتركيب أسطوانة الغاز المملؤة بعد فك الفارغه..وهي التي تنظم أدوات المطبخ في أماكنها الصحيحة.وهي التي تتقن صنع الشاي والقهوة بكفاءة عاليه..وهي التي تبادر إلى خدمة الضيوف إذا قدموا إلى المنزل.وهي التي ترتب الفرش والأسرة لأخوانها وإخواتها بعد استيقاظهم من نومهم. وهي الأم البديلة لأخوانها وأخواتها الصغار في حالة غياب الأم.
إنه المسكرب..المبادر دوما ..المنجز باستمرار..المعتمد عليه في قضاء الحوائج..المؤهل لأن يكون في الصف الثاني مباشرة في سلم القيادة..المطور والمحدث دوما لمهاراته من خلال التجارب الكثيرة التي يخوضها بلا تردد أو نكوص.
في إحدى مقابلات التوظيف لدى إحدى الشركات. بادرت لجنة المقابلات والتعيين إلى اختراع طريقة بديعة لاكتشاف المسكرب من بين جموع المتقدمين إلى الوظيفة.
فقاموا بتحديد مسار الطريق إلى الغرفة التي بها المقابلة..ووضعوا على طول ذلك المسار كاميرات مراقبة لتحديد نوع التصرف الذي سيقوم به المار من المرشحين لحضور تلك المقابلة من ذلك المسار. ثم جعلوا على طول ذلك المسار، المصابيح مضاءة في النهار وحنفيات المياه مفتوحه وهي تصب الماء..وسلال القمامة مرمية وقد خرج ما بها من قمامه..وأبواب الخزانات في المكاتب التي يمرون من خلالها مفتوحه..ثم راقبوا تصرف كل فرد من المرشحين للمقابلة على حده من خلال كاميرات المراقبه..
فكان أغلبهم يتذمر من هذا الوضع. والبعض قد وصل به الغضب والإثارة إلى حد السخرية والاستهزاء من هذه المؤسسة. والبعض منهم رجع من منتصف الطريق قبل أن يدخل إلى غرفة المقابلة والتعيين وهو يتأسف على ضياع وقته للحضور إلى هكذا مؤسسة.
إلى أن حضر أحد المتقدمين للوظيفة. فقام إلى الحنفيات فأغلقها، والمصابيح الكهربائية فأطفاها، والأدراج المفتوحة فأغلقها، وسلال القمامة المرمية فأعادها إلى أماكنها ووضع القمامة المتناثرة فيها.
وأعضاء اللجنة يراقبون المشهد وهم ذاهلون. وحينما قدم عليهم وألقى التحية وقبل أن ينبس ببنت شفه، بادروه بقولهم : مبارك عليك الوظيفة فقد نجحت في الاختبار.
لا يمكن أن تصقل المهارات الشخصية إلا من خلال التجارب المتعددة والتي قد تنجح حينا وتفشل أحيانا كثيرة.. ولا يمكن أن تكون هناك تجارب متعددة بغير المبادرة الشخصية من الفرد نفسه.
أن من يمتلك روح المبادرة دوما فهو الحري بالإختيار في مقابلات التعيين، لانه لن يتعبك في التدريب ولن يرهقك بالمطالب الشخصية ولن يثقل كاهلك بالمتابعة له فيما يوكل إليه من مهام..أنه هو من سيدهشك بمبادراته الدائمة لمعالجة المشكلات وتجاوز العقبات مهما كانت عصية على الدفع.
أعرف شابا عن قرب. تم تعيينه في إحدى الشركات كمراقب عمال، ولم يكن لديه مؤهلات دراسية كبيرة..فقط شهادة الدبلوم العام..لكنه اليوم كلف بإدارة دائرة بأكملها بما فيها من موظفين وعمال..وهو يديرهم بكل كفاءة واقتدار..ولديه نهم للتعلم وصقل المهارات..وحينما تحريت عن سلوكه في بيته وجدته بنفس طريقته في عمله..مبادر دوما ويعتمد عليه ويخدم من حوله ومنجز بدرجة عالية وحاضر بقوة وقت الأزمات والتحديات..
فدعونا إذًا نبحث عن المسكرب في مقابلات التعيين ولنجعلها إحدى أدوات الاختيار والتفضيل.