الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
ما إن يستقر المريض في غرفة الاستشارة ويجلس على الاريكة أمامي وبعد التعريفي بنفسي وسؤاله عن اسمه يسود الصمت لثواني قبل أن أسأل “كيف ممكن اساعدك؟” غالبا ما تكون الاجابة ان يقوم المريض بطرح الأحداث التي حصلت له ودفعته لطلب الاستشارة بينما يقوم البعض بأخباري بالتشخيص الذي غالبا ما يكون قد قرأه من “جوجل” مسبقا فيقول مثلا” عندي رهاب اجتماعي “او أعاني من نوبات الهلع”، بيننا يجيب البعض” لا أعرف من أين أبدآ “أو اسألني انت وسوف اجيبك. لكن هناك نوع من المرضى يسهب في ذكر التفاصيل وكأنه يسرد قصه تترابط أحداثها بالنسبة له فيقضي وقتا طويلا في الطرح، أذكر انني عندما كنت متدربا في قسم الطب السلوكي قضيت ساعتين مع مريض واحد محاول فهم مشكلته والوصول إلى التشخيص المناسب، ولعل ما كان ينقصني ساعتها الخبرة والجرأة في الموازنة بين احترام المريض وعدم مقاطعته وبين الوقت المخصص للاستشارة وعدم إهدار وقت المرضى الآخرين. ورغم أن معظم المرضى يقومون بشرح تفاصيل مشاكلهم دون أية أسرار خاصة بعد أن نذكره بضمان السرية والخصوصية الا ان البعض يختار أن يحتفظ بالكثير من المعلومات لنفسه أو يقوم بتغيير بعض الحقائق المهمة وكأنه يقول للطبيب” ارجوك لا تفهمني “. وقد تكون للمريض أهدافه الخاصة وراء هذا التضليل كأن يريد لعب دور الضحية مثلا فيلقي اللوم على الآخرين أو يقلل من كمية المواد الممنوعة التي يتعاطاها كي لا يستنتج الطبيب أن الإدمان وراء الحالة النفسية التي يعاني منها المريض. عادة ما يقوم بعض المرضى بالإفصاح عن المعلومات التي قام بأخفائها في الجلسات التالية خاصة بعد أن يشعر أن الطبيب جدير بالثقة وأنه لن يقوم بإطلاق الأحكام المسبقة عليه وهذه نقطة مهمة جدا ليس فقط في تشكيل الثقة بين المريض والطبيب، ولكن لاستمرار العملية العلاجية.
تتشكل العلاقة بين الطبيب و المريض مع الوقت وقد تصل إلى درجة من العمق لا نجدها في علاقة المرضى بالأطباء في التخصصات الأخرى فالطبيب النفسي يتعامل مع جوانب خاصة وأحيانا حساسة من شخصية المريض وحياته وتحدث العديد من العمليات النفسية خلال تعامل الطرفين من الضروري فهمها والتعامل معها كي لا تؤثر سلبا على العلاج، ومن أهم هذه العمليات ما يسمى بالإسقاط عندما يقوم المريض بإسقاط شخصية أخرى من حياته هو على الطبيب فمثلا عندما يسقط شخصية والده يقوم بالتعامل مع الطبيب على ذلك الأساس بناء على علاقته بوالده الحقيقي، فلو كان الوالد مثلا شخصية مستبدة يتدخل في جميع تفاصيل حياة المريض و شؤونه نجد المريض يتعامل مع طبيبه على هذا النحو فيخفي بعض التفاصيل أو يظهر بعض التمرد كأن يصل متأخرا أو يصمت معظم الوقت خلال الجلسة العلاجية ، أو يتعامل مع الطبيب بالبرود، وعلى الطبيب أن يتفهم انه ليس المقصود شخصيا بذلك السلوك ويستخدم هذه الظاهرة في فهم المريض و مساعدته في مواجهه الصعوبات التي يعيشها، كما يجيب على الطبيب أن ينتبه الى الاسقاط المعاكس عندما يكون رد فعله تجاه المريض بأن يتقمص دور الاب الذي اسقطه المريض عليه فيؤثر ذلك على مشاعره تجاه ذلك المريض دون أن يشعر أي منهما بذلك ، فتارة تجده يؤنب المريض على بعض التصرفات او يغضب عندما يظهر المريض بعض العناد وهذه السلوكيات يمكنها أن تؤثر سلبا على الخطة العلاجية فالطبيب يجب ان يتحلى بالمهنية تجاه مرضاه وينتبه الى مشاعره.
يخضع الأطباء النفسي في معظم المراكز التدريبية العريقة حول العالم لفترة طويلة من التدريب و اكتساب المهارات الازمة والتي قد تشمل تدريبا مكثفا في العلاج النفسي ليتمكن الطبيب من فهم مشاعره والتعامل معها بطريقة صحيحة كي لا تؤثر على استقراره النفسي ولا تستنزف طاقته ، فالطبيب الذي يشعر بأنه يجب أن يكون الاب الحنون لجميع مرضاه سيكون أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي لأنه لن يتمكن من اصلاح الجميع فذلك ليس دوره بل يتلخص دوره في مساعدة الأشخاص وتمكينهم من مساعدة أنفسهم فلا يصحبون معتمدين عليه، وهنا يأتي دور اختيار الطبيب المعالج الثقة ذي الخبرة والكفاءة دون الانخداع بالدعاية البراقة التي قد تروج لها إعلانات مواقع التواصل الاجتماعي.
ختاما عزيزي القارئ، أذا أتيت للاستشارة فساعدني كي أفهمك