الصحوة – المصممة/ امل الريامي
أَهدتني إحدى الأمهات الفلسطينيات القريبات من القلب؛ بما لها من معزَّةٍ كبيرةٍ زِيَّا فلسطينيًا وقالت لي:’’الغالي للغاليين‘‘ فأنا أعرفُ مدى حبَّها لي، فضلاً عن أنني أعرف مدى حب الفلسطينيين وتمسُّكهم بالزي، الذي يشكِّل أحد أعزِّ الموروثات للإنسان الفلسطيني.
لطالما شكَّلت الأزياء الوطنية أهمية كبيرة لدى الشعوب بما لها من أهمية حضارية وتراثية لأنها تُعتبر جزءً لا يتجزأ من تاريخها، وتراث أجدادها، وهي تشكِّل جسراً بين الماضي والحاضر.
وأخصُّ حديثنا في هذا المقال في ظلِّ الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني عن الزي الفلسطيني والتحديات التي يواجهها لكي يبقى صامداً كصمود الشعب الفلسطيني المناضل بعزَّةٍ وبسالةٍ من أجل نيل حريته واستقلاله.
يُعتبر الزي الفلسطيني رمزاً من رموز الحضارة الفلسطينية منذ آلاف السنين فهو يحكي قصة نضال وحضارة تعاقبت من زمن الكنعانيين أي من قبل 3000 سنة وهو امتداد لبلاد الشام.
هنا نتساءل: ما العلاقة بين حضارة الكنعانيين والزي الفلسطيني؟ وللإجابة عن هذا السؤال التاريخي نجدُ أنَّ إحدى معاني كلمة (كنعان) مأخوذةً من اللهجة السامية، وتعني اللون الأحمر الأرجواني وهو اللَّون الذي كان يُنتج أو يُصبغ به الصوف في ذلك الوقت والذي أصبح اليوم اللون الأساسي في الزي الفلسطيني بمختلف تدرجات الألوان به.
ومع كل الأحداث الناتجة عن الاحتلال الغاشم التي يمرُّ بها الشعب الفلسطيني في جميع أراضيه إلَّا أن المرأة الفلسطينية تقف وبكل شموخٍ محافظة على زي الجدَّات والامهات؛ حيث تحرص الجدات والامهات على تعليم فتياتهنَّ التطريز اليدوي الفلسطيني بهدف الحفاظ على الهُوية الفلسطينية للزيِّ الفلسطينية وحمايته من الاندثار.
فالمرأة الفلسطينية لا تنظرُ إلى الثوب الفلسطيني على أنه مجرَّد قطعة ملبسيَّةً وإنَّما تجد فيه روح الوطن والانتماء وعراقة ونضال الشعب الفلسطيني فأخلصت ببراعة في حياكته وتطريزه، علاوةً على أنه يشكِّل مصدر رزق لها.
لقد اشتهرت فلسطين منذ العصور الإسلامية بمصانع النسيج وكانت غزَّة العزَّة من أقدم المدن التي اشتغلت في النسيج حيث قامت المرأة الفلسطينية بصياغة جماليات الزي من حيث الرسومات المنقوشة بأيديهن والتي تحكي حياة الشعب الفلسطيني وطباعهم، فاستلهمت من البيئة المحيطة بها وقامت بزخرفته وعمل النقوش فيه.
وبسبب تعدُّد المناطق الفلسطينية فإن الزي الفلسطيني يختلف من منطقة لأخرى من حيث النقوش ودرجة اللون وله دلالاته حيث يعتبر الزي المقدسي من أثرى الأزياء من ناحية الزخارف والنقوش التي يتميزُّ بها.
ومن هنا نجد ان التراث الفلسطيني ومن ضمنه الثوب الفلسطيني يمرُّ بتحديات مع الدولة المحتلة حيث قامت في عام 1993م بتسجيل الملكية الفكرية للثوب الفلسطيني وظهر عدد من الشخصيات البارزة لديهم بالثوب الفلسطيني!.
وهذا مما أدى الى قيام بعض النساء الفلسطينيات بعمل أنشطة وبرامج ومواقع للترويج للزي الفلسطيني، بالإضافةِ إلى تخصيصِ يوم (25) يوليو من كل عام يوماً للزي الفلسطيني وذلك للحفاظ على هويته من السرقة.
وهنا فإننا نتعلم من نضال الشعب الفلسطيني في الحفاظ على هويته وتراثه الكثير من الدروس، شاكرة في ختامِ هذا المقال من أهدتني الزي الفلسطيني، وهي هدية غالية على قلبي.