الصحوة – نصر بن منصور الحضرمي
في خضم الأحداث المتلاحقة والصراعات المستمرة على أرض فلسطين المباركة، نجد أن الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني تُعَد أقوى سلاح في مقاومة الاحتلال وصمود أبناء هذه الأرض. فقصص الجدات والأمهات التي ترويها لأحفادهن قبل النوم، تُشكِّل القوة الدافعة والعزيمة التي تحرك وتُنمي روح المقاومة والجهاد في قلوب الأجيال المتعاقبة.
هذه القصص المنقولة عبر الأجيال، تُؤرِّخ لمآسي النكبة الفلسطينية عام 1948، وتفاصيل سرقة الأرض وتهجير الأهالي من منازلهم وديارهم. الجدات والأمهات اللواتي شاهدن بأم أعينهن تلك المأساة الكبرى، كنَّ وما زلنَ يرويْن لأحفادهنَّ روايات مفصَّلة عن معاناة آبائهم وأجدادهم، وكيف طُرِدوا من بيوتهم وأنهكتهم ويلات النكبة.
هذه المروِّيات الشفوية، إلى جانب الوثائق والسجلات التاريخية، تشكِّل سجلاً حياً لذاكرة الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية. فالشهيد الشاعر والمترجم رفعت العرير كان محقًّا حين قال: “أنا الرجل الذي أنا عليه الآن بسبب القصص التي روتها لي أمي وجدتي”. فهذه القصص والروايات هي التي غذَّت وعي الأجيال الفلسطينية وعززت صمودهم وإرادتهم في مقاومة الاحتلال.إن ما قاله الشاعر الشهيد حقا يوضح كيف أن هذه الذاكرة الجماعية والتراث الشفهي لا يزال يشكل جزءا حيويا من الهوية الفلسطينية حتى يومنا هذا، فهذا النموذج حين تنقل الجدات والامهات تفاصيل المعاناة والتهجير يعدُ طريقة فعالة لحفظ الذاكرة التاريخية وتعزيز الوعي الثقافي والسياسي للشعب الفلسطيني
إن هذا التراث الشفوي العريق كان وما زال يُشكِّل منهجًا فعَّالاً للحفاظ على ذاكرة الشعب الفلسطيني وثقافته وتاريخه، ويُمثِّل أقوى الأسلحة في مواجهة محاولات إسرائيل لطمس هذه الهوية والتاريخ. فالقصص والروايات التي تُنقل من جيل إلى جيل هي التي أوجدت الوعي والانتماء الوطني، وهي التي تُشكِّل الدافع الأساسي لاستمرار المقاومة والصمود الفلسطيني ؛لانها اصبحت اليوم الرواية الشفوية احد المصادر المعتمدة للتاريخ .