بيــن ورقــة وجـهــاز إلكــتروني: القــراءة تُــثري
تحقيق/كلثم بنت عبدالله الدرمكية
هدى الصارمية: نحن مهما تطورت سبل معيشتنا تبقى هناك أمورًا قديمة لا يجب أن يحل مكانها بديل!
هلال الكندي: الكتب الإلكترونية تمتلك ميزات غائبة عند نظيرها من الكتب الورقية.
سميرة الجابرية: القراءة من الكتب الورقية حُب لا يشعر به قارئ الكتب الإلكترونية بتاتًا.
شمسا الرواحية: القضية العظمى ليست في الأسلوب القرائي، المهم أن أقرأ لأتعلم.
في خضم التغيرات التكنولوجية الضخمة التي تحاصر مجتمعاتنا بلطف، نجد كل جديد أصبح اقتنائه سهل جدًا! ولعل من أهم هذه التغيرات: ظهور الكتب الالكترونية التي أحدثت ضجة بإمكانيتها في إلغاء وجود الكتب الورقية التقليدية بحلول السنوات القادمة، حيث صُممت العديد من تطبيقات الهواتف الذكية لإتاحة القراءة بأسلوب غير مألوف. وخصصت الشركات العالمية الكبرى مثل «سوني» و«باناسونيك» و«هيتاشي» و«فيوجيتسو»، الملايين من الدولارات خلال العقدين الماضيين لتطوير ما يأمل الخبراء فيها أن يصبح الجهاز هو الذي يحل محل الكتاب الورقي، والذي يكون أول تحول في أسلوب قراءة الكتب منذ الكتاب المقدس الذي طبعه غوتينبيرغ في القرن الخامس عشر.
إذا هل التقنية الحديثة تجبر القارئ في تغيير عادات القراءة لديه؟ هل فعلا يحتاج الإنسان للانصياع أمام النقلات المضاعفة التي يمر بها عالمنا فيستبدل القراءة المطبوعة بالالكترونية! ما مصير الكتب الورقية في حالة تكاتَف العالم لإغراقها!!
لا بديل
بينت هدى الصارمية، طالبة بكلية التقنية بنزوى، وجهة نظرها في مصير الكتب الورقية مع التطور التكنولوجي، حيث قالت: “قرأت مقالة نشرت في جريدة الشرق الأوسط جاءت تحت عنوان “مثالي للطيارين والمستكشفين إلا أن القراء يعشقون الكتب الورقية” مما أثار اهتمامي لمعرفة مصير الكتب الورقية التي أدمن قراءتها شخصيًا في ظل وجود المنصات التي تتيح الكتب الالكترونية، وأجمل ما خطف على ناظري عند قراءة المقالة حينما ذكر الكاتب أن «المستقبليون» توقعوا بشأن طعامنا في القرن الواحد والعشرين -الذي نحن فيه الآن- سيكون مؤلفًا من نشارة الخشب، وسوف تسير السيارات بالطاقة النووية، وسيصبح كل شيء في المنزل مقاومًا للماء، مما يعني أن تنظيفه لا يحتاج أكثر من رشه بخراطيم المياه! لقد آمنوا بذلك وصدقوه، وكانوا على حق، لأن التكنولوجيا قادرة على صنع كل هذه الأمور. لكن هل يرغب الناس فعلا في جعل نشارة الخشب قوتا لهم؟ وهل يرغبون الإصابة بالغبار النووي كلما حصلت حادثة للسيارات؟ وهل يرغب الناس فعلا في الجلوس على مقاعد من البلاستيك واستخدام أثاث مصنوع منه؟ وهل هم راغبون في النظر إلى شاشات من البلاستيك تعمل بالبطاريات الكهربائية؟ الجواب قطعا لا! وهذا هو السبب البسيط الذي لا يجعل الكتب الإلكترونية تقترب حتى من إمكانية حلولها محل الكتب الورقية. إنني أتفق مع رأي الكاتب بشدة، فنحن مهما تطورت سبل معيشتنا تبقى هناك أمورًا قديمة لا يجب أن يحل مكانها بديل!”.
ميزات غائبة!
في جانب آخر أكد هلال الكندي، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، على أهمية تقبل التقنية الحديثة ومواكبة التغيرات الحاصلة قال: “إن التغير في أسلوب القراءة وتحوله بالشكل الإلكتروني أمرًا مجديا للغاية لي أولًا كقارئ نهم فهي تمتلك ميزات غائبة عند نظيرها من الكتب الورقية حسبما أرى منها قلة التكلفة، حيث توفر الكتب الإلكترونية تكاليف الطباعة، والحبر، والورق، ومصاريف النقل والشحن، فتكون تحت متناول الملايين من الناس بأسهل الطرق، أرخص في الشراء والكثير منها مجاني، حيث تسمح العديد من المكتبات العامة على الإنترنت للقراء بقراءة وتحميل الكتب، سهولة حملها ونقلها عند السفر بالإضافة إلى تخزين الآلاف منها في حيز صغير جداً مقارنة مع الحجم الذي تشغله الكتب الورقية وغيرها الكثير من المميزات التي ترجح الكفة لصالح الكتب الإلكترونية”.
صديقة الأيام
بينما عارضت سميرة الجابرية، خريجة اتصال جماهيري بكلية العلوم التطبيقية بنزوى فكرة الميزات المتاحة من قبل الكتب الإلكترونية قائلة: “أنا مناصرة تماما للكتب الورقية، أعتبرها صديقة الأيام واللحظة المميتة، تجمعني بها علاقة حميمة لآ أجد تفسيرًا قويًا لها غير أنني أجد المتعة عند شراء كميات أكبر منها حتى وإن أنفقت عليها من المال الكثير! القراءة من الكتب الورقية حُب لا يشعر به قارئ الكتب الإلكترونية بتاتًا، لا تحتاج الكتب الورقية إلى توفر الكهرباء أو أجهزة الحاسب، أو الاتصال بالإنترنت علاوة على ذلك، أنها أكثر راحة للعين من الإلكتروني؛ فالقراءة لساعات طويلة من جهاز إلكتروني تسبب إجهاداً للعين”.
وأضاف علي العبيداني، طالب هندسة بجامعة السلطان قابوس: “أنا أفضل القراءة من الكتب الورقية؛ لأنها تعطي عمق التأمل والمعرفة في حين أن الكتاب الالكتروني أو النشر الالكتروني يعطي فكرة عن الموضوع ولا يمكن للقارئ التعمق في دراسة الكتاب لصعوبة الجلوس على شاشة الكمبيوتر من ناحية صحية لوقت طويل كما أنه لا يوجد حماية لحقوق المؤلف فيسهل جدًا سرقتها”.
دون تمزق..
فيما استرسلت فاطمة الدرمكية، معلمة فنون تشكيلية بولاية إزكي، قائلة: “إن من أهم مزايا الكتب الإلكترونية متمثلة في أنه يمكن تداولها بسهولة وسرعة فائقة حول العالم، دون التقيد بالحدود الرقابية التي تفرضها بعض الدول، إمكانية الوصول لأي كتاب بأي لغة في أي مكان من العالم، بخلاف الكتاب الورقي الذي قد يبذل المشاق الكثيرة من أجل الوصول إليه إذا كان مطبوعًا في بلد آخر إضافة إلى سهولة البحث والنقل والنسخ ، حيث يمكن نقل كتاب إلكتروني في دقائق أو ثواني معدودة، عكس النسخ والنقل من الكتاب الورقي الذي يأخذ وقتًا أطول! وأكثر ما يجعلني أفضل القراءة الإلكترونية هو أنني لا أخشى على كتبي من الضياع والتمزق والإهمال فهي محفوظة على جهازي اللوحي.”
السرقة الفكرية
هذا وقد بادر داود الحاتمي، خريج قسم دراسات المعلومات بجامعة السلطان قابوس، قائلًا: ” أنا مع الكتب الإلكترونية فمن الضروري التعايش مع تحديثات العصر أما فيما يخص سرقة الملكية الفكرية فأنا أجد أنه يتحتم حصولها في الكتاب الورقي والكتاب الرقمي على حد سواء، ولكن هناك تقنيات عديدة تحد من السرقة الإلكترونية المعروفة “بالنسخ واللصق” حيث تنبهت Google إلى هذا الأمر بالنسبة لكتبها الرقمية التي تعرضها وذلك عن طريق توفير حماية للصفحة، بحيث يصعب أن تقوم بعملية النسخ واللصق منها بسهولة وهي عملية تؤمن الحماية للكتاب الرقمي أو النشر الإلكتروني وإن لم تكن مطلقة لكنها طريقة جيدة للتقليص من السرقات”.
اطلاع المراهقين
كما كلّ الصناعات التكنولوجية، بدأ الكتاب الإلكتروني منتجًا موجهًا إلى الراشدين، وتحوّل المراهقون والأطفال فيما بعد هدفًا لها، فوفق دراسة علمية، نسبة الأطفال الذي يطالعون الكتب الإلكترونية تضاعفت منذ عام 2010 حوالي 46 في المائة، وأصبح إصدار الكتب الإلكترونية الخاصة بالأطفال والمراهقين أكثر القطاعات نموًا عام 2011 ، وفقًا للجمعية الأميركية للناشرين ومجموعة صناعة الكتب في الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا الصدد صرحت بدور الدرمكية، أم ناصر ذو 12 سنوات قائلة: “أفقه جيدًا المردود السلبي على نفسية المراهق في حالة تصفحه للإنترنت أو مكوثه أمام شاشة الأجهزة الإلكترونية لساعات طويلة، فأنا لست على استعداد للمخاطرة بصحة ابني لذلك غالبا ما أوفر له الكتب التعليمية والتثقيفية ورقيًا فألاحظه يحملها معظم الوقت في أي مكان نذهب إليه وكأنها أمر يلازمه كالظل! وأنا حقيقة الأمر يسعدني ذلك فالقراءة مهمة لتوسيع مدارك الفهم ونضج العقل وجعل القارئ طليق اللسان. فكما تعلمت “وخير جليس في الزمان كتاب” أطمع أن تكون عادة القراءة لدى ناصر مستمرة من خلال الكتب الورقية فهي من شأنها أن تجعل منه كاتبا يوما ما!
مواجهة نكبات الواقع
وتحدثت شمسا الرواحية أن القراءة ليست متعلقة بالنوع الذي يقرا منه الشخص بل ماذا يقرأ وكيف يطبق ويستفيد منه!، حيث قالت: “القضية العظمى ليست في الأسلوب القرائي، سواء قرأت من كتاب ورقي أم الكتروني إنه لأمر هامشي يتعلق بتفضيلات داخلية معينة عند كل فرد منا، المهم أن أقرأ لأتعلم، ليزيد رصيد مصطلحاتي الكلامية، لأتعامل مع الحياة والآخرين بنضج أكثر، لأواجه عقباتي ونكبات الواقع بقوة أكبر، لأشحن ذاتي بالطاقات الإيجابية. أقرأ لأنتزع حقوق وجودي في هذا العالم، فمن المفترض أن لا تشغلنا الوسيلة عن الغاية!”.