آستر.. -أو هكذا كما تُسمِّي مُعرّفها الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر- تخرّجت من الثانويّة العامّة عام 2008م، ليتمّ قبولها في الكليّة التقنيّة العُليا، ولكن لظروفٍ ما آثرت استئناف دراستها في جامعة خاصّة بنفس المحافظة التي تقطنها في تخصص تقنيّة المعلومات، وسافرت بعدها لتحصل على دبلوم التأهيل التربوي في تخصصها نفسه في الوقت الذي لم يكُن فيه هذا التخصص بعد يُدرس في السلطنة، فتعود بعد سنة لتستكمل متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في الادارة التربوية..
ثماني سنوات من الدراسة –بلا انقطاع- يتخللها تدريب عملي وبحثٌ مُضنٍ بشتى الطرق عن وظيفة في وقتٍ أصبح فيه الحصول عليها من أصعب ما يكون.. فما الذي حدث خلال هذه المُدّة كلها؟
“الصحوة” تلتقي بآستر لتسمع منها في حديث مُطوّل عن رحلتها الطويلة في البحث على وظيفة..
مقابلات بلا موضوعية
تقول آستر عن نفسها أنها انتظرت لمدّة ليست بالهيّنة، حيث أنه حتّى في فترة دراستها للتأهيل التربوي وللماجستير كانت تبحث عن وظيفة، وأيضًا كانت تتدرّب لمدّة سنة كمحاضرة ثم لمدّة شهرين كمحاضرة في تخصصها نفسه.
تُضيف أنها دخلت أكثر من ثلاثين مقابلة، وكانت في جميعها تقول بأن الفرصة لي، إلّا أن النتيجة ولأسباب مختلفة تأتي بعكس المتوقع، لكنها لا تُنكِر بأن كل مقابلة تؤديها كانت تضيف لها قيمة جديدة وتُكسبها استعدادًا أفضل للمقابلة التالية. وعندما سألناها عن مدى رضاها عن مستوى المقابلات التي أدتها بشكل عام، أفصحت عن تواضع مستوى أغلبها وخلوها من الموضوعية، إذ أنها مقابلات شكلية وليست لقياس المهارة والأداء، وخصوصًا تلك المقابلات التي لا تتجاوز أسئلتها ” هل لديكِ مانع من العمل مع الذكور؟ وهل أنتِ مستعدّة للسفر في الخارج؟”، وعندما شاركت هذا على تويتر، قُوبِلت بالعديد من ردود الفعل الحادّة التي تُشكِّك في قدرتها على اجتياز المقابلة من فئة لا تعلم ما الذي يجري خلف كواليس المقابلات..
فما الذي لم تُخبِر به آستر بعد؟
حاربني ورفض توظيفي
تُخبرنا آستر: تقدمت كمدرب حاسب آلي في معهد من المعاهد الخاصة الواقعة تحت إشراف القِوى العاملة، فدخلت المقابلة وكان المدير الوافد منبهر جدًا بأدائي في المقابلة ونوعيّة المؤهلات التي أمتلكها، ويقول بعبارة مباشرة “أنتِ ما نبحث نحن عنها”؛ ليتم دعوتي بعد ذلك من قِبلهم للاحتفال بافتتاح المعهد بصفتي أحد موظّفيه الجُدد، وفور وصولي قابلت موظف الموارد البشرية الذي هاتفني وأعلمني بخبر قبولي، وسألته متى سوف نوقِّع العقد، فإذا بي أتفاجأ بردِّه أنه راجعوا قرار قبولي فتراجعوا عنه لأنه ليس لديّ الخبرة الكافية، في حين أنني تدرّبت فيما يزيد عن شهرين في نفس المجال وفي جامعة وتحت اشراف، وأعطيتهم ما يثبت ذلك، إلا أنه تمت محاربتي بشدّة من قِبل الوافد مدير المعهد، فكان من قبلني هو نفسه من رفضني.. لم أجد مُبرِّرًا لتصرُّفِه سوى توجّسه من احتمال أن يتم إحلالي مكانه لكوني أفوقه مؤهلًا دراسيًا أولًا ولكونهِ وافدًا ثانيًا، وجنسيتي العمانية تمنحني استحقاقًا أكثر منه للجلوس في كرسيه.
وأُغلِق الموضوع
عندها لجأت لوزارة القوى العاملة مباشرة على أمل أن تتم مساعدتي، وتم الاجتماع مع صاحب المعهد نفسه وتبيّن لي أنه لم يكن هناك أيّة رفض من جهته، في حين أن المدير الوافد كان يؤجِّل موعد مباشرتي للعمل شهرًا بعد آخر، وفي كل شهر كانت القِوى العاملة تحظرهم ومن ثمّ يتم فكّ الحظر، وهكذا تكرّر الأمر لأكثر من أربع مرات، فدفعني هذا للتوجّه مباشرةً للوزارة وطلبت مقابلة معالي الوزير، وقد استقبلني أحد مستشاريه بصدرٍ رحب، وقال أنه سيوصل الرسالة بنفسه لمعالي الوزير لتتم متابعة الموضوع، ولما استفسرت بعد مضي مدّة من الزمن عن ردّ معالي الوزير علمت بأنه قال “احنا ما نرضى على أبنائنا” ثم أُغلِق الموضوع تمامًا ولم يتواصل معي أيّ من المسؤولين في الوزارة، مما تسبب هذا بإنهاكي وامتصاص كل حماسي، فاستعصى عليّ استئناف تتبّع الموضوع.
400 ريال فقط لحامل شهادة ماجستر
وتستأنف “آستر” الحديث بعرض تجربة أخرى لها مع التوظيف، ولكن هذه المرة في مكان آخر، اذ تقول: في شهر يونيو السنة الفائتة عُرِضت لي فرصة وظيفية كمحاضر في جامعة خاصّة، وتقدّمت للمقابلة التي اجتزتها بنجاح من بين أكثر من عشرين متقدم، وبدأت بمزاولة هذه المهنة بعقد مؤقت وتحت متابعة الأداء الوظيف، ولكن للأسف المؤسسة استغلتني من صيف العام الفائت وحتّى صيف هذا العام الذي سوف أباشر عملي فيه كفصل رابع لي في المؤسسة وأنا لازلت بعقد مؤقّت معهم وأتقاضى راتبي بناءً على ساعاتي التدريسية التي تصل لتسع ساعات أسبوعيًا أُدرِّس فيها ما يزيد عن 180 طالب نظير 10 ريالات فقط عن كل ساعة، هذا يعني أن ما أحصل عليه لقاء عملي في الشهر لا يصل حتّى لـ 400 ريال، وهو بطبيعة الحال لا يُكافئ ما يجب أن يحصل عليه حامل شهادة الماجستير!
بدون مستحقات مالية
وتُكمِل: هذا كان في الفصلين الأوليين، حيث أنني تفاجأت باستدعائهم لي للتدريس فصلًا ثالثًا ولكن هذه المرة كانت لغة التدريس اللغة الانجليزية –على خلاف المرة السابقة التي كنتُ أدرِّس فيها باللغة العربية- فاستعددت لذلك جيدًا وأوكلوا إلي 21 ساعة تدريسية أسبوعيًا أُدرِّس فيها 180 طالبًا وأقوم خلال بكافة الأعباء الوظيفية التي يقوم بها موظف الدوام الكامل غير أنني بقيت موظفة بدوام جزئي، صحيح أن المرتب زاد قليلًا ولكنه أبعد من أن يكافئ حجم ما أقوم به من جهود، لكن الذي تغير هذه المرة أنني طالبت أن أستلمه شهريًا لا فصليًا مثلما كان في الفصلين السابقين، ظننت أنني بذلك سوف أخفف عليّ وطأة الضغط المالي الذي كان يُتعبني بشدة، بيد أنني الآن اُكمِل شهري الثاني وأنا لم أستلم شيئًا حتّى الآن..
لا آيلتس وتقرير لم يُسلّم
وعن متابعتها للأمر مع وزارة التعليم العالي كشفت أن الجامعة منذ بداية العقد كانت توهمها بأن الوزارة قد فرضت عليها آيلتس بمعدل 6.5، فتبين لها أن الوزارة لم تطلب ذلك مطلقًا، بل أنها لم تطلب من الجامعة سوى تقرير أداء وظيفي لمدة فصلين، والذي لم تزوّدها إياه حتّى الآن!
مفارقة عجيبة
وتُخبِر آستر عن تجربتها هذه بأنها أكسبتها خبرة عملية كثيرة منذ أن تسلّمت فيها العمل للمرة الأولى، حيث أنها قامت بإعداد منهج متكامل للمادّة التي تدرسها بنفسها، إذ أنه لم يكن هنالك أي منهج يُدرّس من قبل. وهنا تُشير للمفارقة العجيبة في تعامل هذه الجامعة معها وتعامل المعهد، ففي الوقت الذي رفضها المعهد فيه بحجّة افتقادها للخبرة على الرغم من تدرّبها سابقًا، قبلتها هذه الجامعة ومنحتها كل الثقة، وتعليقًا على هذا تقول أن الباحث عن عمل يحتاج فقط للفرصة والثِّقة حتّى يبدع في عمله.
وعندما سألناها عن الشيء الذي دفعها إلى عدم الاحتجاج على الرغم من تأزم وضعها وعدم حصولها على مستحقات مالية تكافئ جهدها الذي تقوم به، ردّت الأسباب إلى رغبتها في المحافظة على سمعتها الطيّبة مع الجامعة التي منحتها الثقة حتّى تضمن استمرار العلاقة القائمة التي تربطها بها والتي تسبّبت في طلبها للتدريس مرات متكررة.
الوافِد مرّةً أخرى
ثم أضافت أنها لجأت لرئيس الجامعة حال أن تم طلبها للمرة الثالثة، وقالت أنصت لي نعم، ولكنه أنصت بنصف أُذن، متحججًا بالظروف المالية للجامعة، وهنا تكشف آستر عن شيء في غاية الأهمية وهو أنه يعمل معها في نفس القسم وافدين اثنين ويمتلكان مؤهلها نفسه، لكن الفرق أنهما يعملان بنظام عمل كامل ويستلمان رواتب عالية، فلِمَ لم تنطبق عليهما الظروف المالية للجامعة أيضًا؟
ثم أكملت: كنت أذهب للكليات والجامعات حتّى وان لم تطلب للبحث عن وظيفة محاضر والردّ يكون كالعادة بعدم توفر شواغر.. وآخرها كان منذ أسبوعين ذهبت لمؤسسة خاصة ودار بيني وبين موظف الموارد البشرية بها حديث طويل، ففوجئت بأنه يقول نحن لا نثق بكفاءة العماني فصدمت جدًا، وقلت في داخلي إذا لم تثق أنت بالعماني فبمن سوف تثق؟
منصات غير مجهّزة
وتطرّقت خلال حديثها لسرد تجربتها مع المكرمة السامية التي تقتضي بتوفير 25 ألف وظيفة للباحثين عن عمل، إذ تقول بأن مكرمة كانت قد شملتها بحكم تحديثها المستمرّ لبياناتها، ولكنها لم تجد حتّى الآن سوى فرصة واحدة فقط للمنافسة وهي في مجلس البحث العلمي، وقد سُرّت بالفرصة جدًا بحكم اهتمامها ونشطاها السابق في مجال البحوث العلمية النوعية، وتأمل أن يتم استدعاؤها قريبًا للمقابلة، أمّا عن المنصّات التي أوكِلت لها مهمة توظيف الباحثين فتقول عنها بأنها غير مجّهزة تقنيًا كما ينبغي، وكان يجب أولًا أن تُختبر مدى فعاليتهما في مرحلة أولية تجريبية، ثمّ يتم معالجة جوانب الخلل المُكتشفة قبل الانتقال لمرحلة التمكين في السوق، وتقترح أن يكون هنالك نوعًا من التدرّج على مستوى التوظيف، حيث يُفضل البدء أولًا بترسيم أصحاب العقود المؤقّتة في المؤسسات ومن ثم المتدربين، لأن ذلك سوف يساهم بتقليص نسبة الباحثين عن عمل بشكل كبير ولن تتكلف القوى العاملة مهمة البحث عن وظائف أخرى جديدة لهم.
وتختِم “آستر” حديثها لنا بقولها أنها قِلقة جدًا بسبب مستقبلها غير الواضِح حتّى الآن، وتضيف: أنا عمانية وأمتلك المؤهِّلات نفسها التي يمتلكها الوافد وأنا أجدر منهم بالعمل فهذه بلادي ويهمني جدًا أن أخدمها.